📁 تدوينات جديدة

ظاهرة "الأدب العابر للنوع": تحوّلات الكتابة في زمن التداخلات الكبرى | مريم المتوكل

ظاهرة “الأدب العابر للنوع”: تحوّلات الكتابة في زمن التداخلات الكبرى | مريم المتوكل
 مريم المتوكل | المغرب

يشهد المشهد الأدبي المعاصر ظاهرة لافتة بدأت تترسخ تدريجياً في الكتابات المحلية والعالمية، وهي ما يمكن وصفه بالأدب العابر للنوع؛ أي النصوص التي تنفلت من حدود التصنيف التقليدي بين الرواية والمقال، بين السيرة والتخييل، وبين الشعر والنثر، لتنتج شكلاً هجينا يعبّر عن حساسية جديدة في تلقي العالم وإدراكه. لم تعد القصيدة مجبرة على الالتزام بإيقاع واحد، ولا الرواية على البنية الخطّية المتعارف عليها، بل باتت النصوص تتحرك في مناطق وسطى، تستمد قوتها من قدرتها على خلط الأدوات وتوليد معانٍ مغايرة.

ظهور هذا الشكل ليس مجرد رغبة فنية، بل هو انعكاس عميق لتحولات ثقافية وتكنولوجية تعيد تشكيل علاقتنا باللغة. القارئ اليوم يعيش في فضاء رقمي متشظٍ، يتنقل بين وسائط متعددة، ويخضع لوابل من النصوص القصيرة والصور والمقاطع السريعة. نتيجة ذلك بات الإيقاع الداخلي للنص الأدبي أكثر مرونة، يستجيب لزمن القراءة القَلِق، ويحاول في الوقت نفسه أن يحتفظ بجوهر التجربة الإنسانية التي يشكل الأدب وعاءها الطبيعي.

يلفت النظر أن الأدب العابر للنوع يتيح للكاتب مساحة حرية أوسع. فالسيرة الذاتية اليوم لم تعد مجرد تسجيل لحياة صاحبها، بل تتحول إلى مختبر لتأمل الذاكرة، وإعادة بناء الهوية عبر التخييل. والرواية تتبنى تقنيات البحث والوثيقة والمقال الفلسفي، كما لو أنها تمشي بثقة فوق خطوط تتقاطع ولا تتصادم. وحتى الشعر، الذي كان يوصف بأنه أكثر الأجناس محافظة، أصبح يستعين بالسرد والحوار والمشهد السينمائي لبناء عوالمه.

هذه الظاهرة طرحت أسئلة نقدية جديدة. هل نحن أمام تحرر النص من أعباء التصنيف، أم أمام فقدان للمعايير التي كانت تضبط جودة العمل الأدبي؟ وهل يتجه الأدب نحو التخفف من جمالياته لصالح بنية هجينة تستجيب لضغط الواقع، أم أن هذا الهجين ذاته يشكل جماليات جديدة ما تزال في طور التشكل؟ النقد الأدبي بدوره لم يعد قادراً على الاكتفاء بأدواته الكلاسيكية، إذ يحتاج إلى مقاربات مرنة قادرة على قراءة النصوص المتحولة دون محاولة إعادتها إلى قوالب جاهزة.

مهما تعددت القراءات، يظل الأدب العابر للنوع علامة على حيوية الحقل الثقافي، وعلى قدرة الكتابة على توليد أشكال جديدة كلما تغير العالم. هي ظاهرة تذكّر بأن الأدب ليس معبداً مغلقاً، بل كائن حي يتنفس ويتبدل، ويبحث دوماً عن لغة تليق بقلق الإنسان وأسئلته المفتوحة، وتستجيب لنبض زمن يزداد تعقيداً واتساعاً.



تعليقات