باسمه تعالى
"حين تُكتب الذات…!"
تجربتي الشعرية والقصصية في أصداء الفكر
بقلم:
نسرين بريطع
/ لبنان
في عالمٍ تضيق فيه
الأصوات ويشتد فيه الضجيج، وجدت في "أصداء الفكر" ذلك الصرح الأدبي
الراقي، مساحة قيمة، لا تنتمي لضجيج العالم، بل لصوت الداخل.
في كل مرة كنت
أشعر أنني أخلع عباءات اللغة المزيّفة، لأدخل صافيةً، عاريةً من التكلّف، في حضرة
المعنى. هناك، حيث لا حاجة للزينة البلاغية إن لم تكن مغمّسة بالصدق، ولا مكان
للأفكار الجاهزة إن لم تُهذّب بحرارة التجربة.
تجربتي لم تكن
منفصلة عني، بل كانت امتداد…
ربما لن أتذكّر
عدد المقالات التي نشرتها، لكنني أتذكّر كل شعور راودني حين كنت أخطّ أول حرف. وما
يزال صداه يتردد في داخلي، كلما قرأت اسمي تحت عنوان، وكلما أدركت أنني لا أكتب
وحسب، بل أُكتَب من جديد.
لم أبدأ بالكتابة
لأنني أملك شيئًا لأقوله، بل لأن الصمت صار أثقل من أن يُحتمل. ومع مرور الوقت، لم
تعد الكتابة مجرّد حروف تُرتّب، بل صارت فعل حياة، طريقًا للمكاشفة والمقاومة. ولفهم
الأشياء حين تتعذّر الإجابة. وهمسًا للروح حين يخذلها العالم. كانت ولا تزال
امتداداً طبيعياً لفضائي الأدبي والثقافي، الذي احتضن خفق قلبي في كلماتي، وكان
صدى التجربة أوسع من أن يُختصر بصفحة أو عنوان.
وفي أصداء الفكر، لم أجد فقط منبرًا يُنشر فيه النص، بل وجدت حضنًا تتكئ عليه الكلمات، وتنضج فيه التجربة.
بدأتُ مع الشعر،
حيث الكلمة تُولد لا من العقل بل من اهتزاز الروح الذي يولد ارتعاشا داخليا يكشف
لك لحظة إنسانية هاربة. كتبتُ عن الحب
والفقد.. الألم والأمل.. عن الحياة بعيون
نسرين. بأسلوبٍ موشح بشيء من الفلسفة حيناً أو لونا من التصوف الأدبي أحياناً. في
مساحة غامضة بين الوجود واللايقين. وأطلقتها في فضاء أصداء الفكر كما لو أنني أرسل
قطعًا من روحي في زجاجات إلى عشاق الأدب والفكر.
ففي أحد نصوصي
كتبت:
ويسألها همساً عن
سرّها الصغير
المتغلغل بشغفٍ
بين قسمات وجهها
الربيعي
يسفر عنه بِصخبٍ
ساكن بريقٌ أزليٌ
يفرد أشرعة
انتصاراته في بحور العينين
ويتمايل على أنغام
النبض
بشقاوة غجريةٍ مِغناجٍ على ضفافِ الشفتين.
تُرى بأي ريشةٍ
سحريةٍ رسمتِ تلك البسمة الفاتنة؟
أم أن السرَّ يكمن
يا صغيرتي في ألوانها الحالمة...!!
ومن أي نبعٍ تروين
اخضرارها الندي؟
في أصداء الفكر،
تعلّمت أن أكون صوتًا يتناغم مع الصدى. أن أكتب لأنني أشعر، لأواجه البياض الصامت
بوردة الحقيقة.
وهكذا، بين قصيدة
وقصة، بين وجع وهمس، بين فكرة ومجاز، ما زلت أكتب… لا لأقول شيئًا، بل لأكتشف من
أكون. فالكتابة هنا لم تكن للتوثيق، بل للتطهير. أن
أترك في كل سطر ندبة تشبهني. أن أكون ببساطة، امرأة تكتب لأن داخلها ظلّ طويل لا
يسعه الصمت. وفي أصداء الفكر وجدت من يقرأ بعين القلب، ومن يوقن أن الكلمة الطيّبة
لا تموت، بل تعيش في ذاكرة من صدّقها.
وإذ أضع هذه
الكلمات، لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى مجلة أصداء الفكر، التي لم
تكن مجرد منبر للنشر، بل بيتًا رحبًا احتضن صوتي، ومنحني مساحتي لأكون.
كل المودة والامتنان
لرئيس تحريرها الأستاذ العزيز والمبدع حسن امحيل ولهيئة التحرير التي قرأتني
بالقلب قبل الحبر، بل ولكل عضوٍ من الزملاء والزميلات في أصداء الفكر والشكر
الأكبر للقرّاء الأحبة الذين لم يمرّوا على كلماتي مرور الكرام، بل أنصتوا لها كما
يُنصت لبوحٍ قادم من الأعماق.
شكراً لأنكم كنتم
مرآتي، ونبضي حين كادت اللغة أن تخونني.
مع محبتي
نسرين بريطع