📁 تدوينات جديدة

تدريس الرياضيات: رؤية حول التحديات والتقييمات丨فاطمة موسى وجى

تدريس الرياضيات: رؤية حول التحديات والتقييمات丨فاطمة موسى وجى
 

فاطمة موسى وجى丨المغرب

مقدمة

يعتبر تدريس الرياضيات من أهم انشغالات مختلف الأنظمة التربوية على مر العصور، ما يستلزم الاهتمام بالمحتويات المقدمة، أدوار المدرس وكذا التقييمات للوقوف في وجه الصعوبات والتعقيدات التي يفرضها تدريس هذه المادة. فلماذا الاهتمام بتدريس الرياضيات أكثر من غيرها من المواد؟

رهانات تدريس الرياضيات

منذ القدم، كان لتدريس الرياضيات أهداف عديدة، لعل أولها "القياس" لما له من أهمية في حساب الزمن، المسافات، المساحات... إضافة إلى دوره في إدارة التجارة، حساب الضرائب، إحصاء السكان وكذا الملاحة بأنواعها. سبب آخر كان وسيظل وراء تدريس الرياضيات وهو تنمية التفكير المنطقي ومهارة الاستدلال.
باختلاف مناطق المعمور وباختلاف العصور، تمحور تدريس الرياضيات حول نقطتين أساسيتين: نقل المعارف والمنطق الرياضي. وكباقي المواد المدرسة، استهدفت الرياضيات أيضا الحفاظ على الموروث الثقافي المعرفي.
لزمن لا يستهان به، كان تدريس الرياضيات موجها لعينات جد محدودة، أغلبها من الذكور، الشيء الذي جعل منه تدريسا "انتقائيا" بامتياز. لكن، وبعد هبوب رياح الديمقراطية، صار لزاما إعادة النظر في شروط الانتقاء وقوانينه، ليصبح تعلم الرياضيات حقا للجميع دون ميز أو فصل بسبب الجنس أو الوضع السوسيو-اقتصادي. ويمكن الحديث عن تأرجح بين رغبة واضحة في تمكين الجميع من تعلم الرياضيات، وصعوبة التأسيس لنظام تعليمي يسمح بتحقيق ذلك وبطرق مرضية، وذلك من خلال الجمع بين الرياضيات في الحياة اليومية وبين التفكير المنطقي، التجريد والتطبيقات على العلوم والتكنولوجيا.
يضاف إلى ذلك إقصاء البعض بسبب الديانة أو بسبب الفوارق الاجتماعية. وفي بعض الدول تبقى الرياضيات مادة أساسية يجب أن يستفيد منها الجميع، وقد تصبح مادة تميز وفوق.

طبيعة المحتويات المدرسة

قديما، ارتكز تدريس الرياضيات على حل المشكلات، وقد كان قائما على حفظ وتذكر القواعد والتقنيات التي تطبق على المسائل العلمية، المرتبطة بالفلاحة، التجارة...
أهمية الرياضيات في العلوم، الاقتصاد والتكنولوجيا كان دافعا لضرورة النهوض بتدريس الرياضيات، وبالنظر إلى كونه مادة استثنائية تخدم مواد أخرى، زاد الاهتمام بتحديد مضامينها وإصلاحها وتحديثها.
في ثلاثينات القرن الماضي، عمل فريق من الباحثين الفرنسيين تحت قيادة
Nicolas BOURBAKI على إعادة تحرير الرياضيات في اطروحة رسمية موحدة، سلطت الضوء على مختلف البنيات الرياضياتية. في عام 1950 أصبح لأعمال الفريق الأثر البليغ في التدريس الجامعي للرياضيات، وأصبح من الضروري تحسين تدريس الرياضيات بالسلك الثانوي. والنتيجة جاءت على شكل تحديث على مستوى التكوين العلمي للأساتذة وميلاد ما يسمى ب "ديداكتيك الرياضيات".
للنهوض بجودة التعلمات في الرياضيات، تم في 1960 إحداث مختبر للعمل على الممارسات البيداغوجية الأكثر فعالية، لتبرز إلى الوجود الرابطة الدولية لتقييم التحصيل التربوي "
IEA" وظهور أولى الاختبارات الموجهة للمتعلمين. بالموازاة مع ذلك، تزايد الاهتمام بالبرامج المدرسية، بمحتوياتها وبطرق تنزيلها.
سنة 1970 عرفت تطورا ملحوظا في إصلاح المناهج، حيث تم الدمج بين نظامي التقييم القديم والحديث، غير أن الرياضيات الحديثة استبعدت ما يسمى بالرياضيات التطبيقية التي تهيئ المتعلم لحياته المستقبلية كشخص بالغ، وهذا ما كان سببا وراء إعادة النظر في مفهوم الإصلاح. وبعد أن كان التركيز قائما على الأعداد، الجبر والهندسة، صار الاهتمام أكثر بالبيانات، الإحصائيات، الاحتمالات، إضافة إلى التحدي الأكبر آنذاك: إدماج المعلوميات. وهكذا عرفت جل الدول تطورا في المحتويات المدرسة، التي صارت مرتبطة بالواقع، وتولي أهمية كبرى لحل المشكلات. إضافة إلى التأكيد على أهمية برامج التتبع والاختبارات التي كان لها تأثير مهم في الكشف عن مهارات المتعلمين الحقيقية.

التقييم في الرياضيات

تعلم مادة ما لا يقتصر على ضمان تدريسها بل يفرض قياس ما يكتسبه المتعلم فعلا.
في كل الدول، يختتم السلك الدراسي باختبارات موجهة لكل المتعلمين. إضافة إلى ذلك تطبق بعض الاختبارات على عينات من التلاميذ فقط، كاختبارات
Pisa التي تشرف عليها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE وكذا اختبارات Timss.
اختبارات
Pisa تهدف إلى تقييم المعارف والمهارات الأساسية في التعليم الأساسي (القراءة، الرياضيات والعلوم) لدى الطلاب من عمر 15 سنة.
تسعى هذه الاختبارات إلى قياس جودة التعليم عالميا، كما أنها توفر نظرة مقارنة بين مختلف الدول. في المقابل، تعد
Timss اختبارات خاصة بالرياضيات والعلوم، تجرى فقط في الدول المشاركة وتهدف إلى قياس مكامن القوة والضعف التي سيبنى عليها أي إصلاح في المناهج والبرامج. قد توجه Timss إلى طلاب آخر سنة من السلك الثانوي، مع اختبار خاص بالتلاميذ المستفيدين من تدريس مكثف (Timss avancé)
وتجدر الإشارة إلى أن الاختبارات المذكورة تقيس مهارات المتعلمين في سنوات دراسية محددة، وتشكل نتائجها أداة للترتيب بين الدول وأرضية يقوم عليها كل تصور للتطوير والإصلاح.

أي كفاءات لتدريس الرياضيات؟

حين يتعلق الأمر بمادة تستفيد من أبحاث نشطة كالرياضيات، يطرح السؤال: كيف يمكن تحقيق تعليم ذي جودة؟؟
سؤال يتردد كثيرا بالنظر لرهانات تدريس الرياضيات وللتطور الذي تعرف البيداغوجيات الحديثة. وقد يلاحظ عوز مهم في التمكن من المعارف الديداكتيكية اللازمة لتدريس الرياضيات لدى المدرسين في بعض الدول، خاصة مع واقع أن ألمع الطلاب في الرياضيات نادرا ما يصبحون أساتذة للمادة.
كإجابة على السؤال، من الضروري استفادة مدرسي المادة من تكوين ذي جودة، قائم على البحث الذي يزودهم بالمعارف البيداغوجية الديداكتيكية، مع ضمان تكوين مستمر، دائم ولائم.

خاتمة

تواجه مختلف الأنظمة التربوية صعوبات كبيرة لبلوغ أهدافها المسطرة، من جودة في التعلمات، تكافؤ في الفرص، أطر بكفاءة عالية ... الشيء الذي يتطلب تعبئة مختلف الموارد والفاعلين، والاستفادة من التجارب الحديثة. إضافة إلى التقييمات الرسمية التي توفر كل المعطيات الضرورية لإرساء السياسات التربوية.

تعليقات