📁 تدوينات جديدة

أمين معلوف يفوز بجائزة الأدب باللغات الرومانسية: تتويج لرؤية إنسانية في زمن الاضطراب

أمين معلوف يفوز بجائزة الأدب باللغات الرومانسية: تتويج لرؤية إنسانية في زمن الاضطراب

أعلنت فيل غوادالاخارا (Feria Internacional del Libro de Guadalajara) عن فوز الكاتب الفرنكولبناني أمين معلوف بـجائزة الأدب باللغات الرومانسية لسنة 2025، وذلك بقرارٍ إجماعي من لجنة التحكيم التي رأت في منجزه موقعًا “أساسيًا في الأدب المعاصر”. يأتي هذا التتويج تتويجًا لمسارٍ طويل من الكتابة التي تصل بين التاريخ والهوية والهجرة، وتُجادل الحاضر بعينٍ إنسانية نقدية. (1)

وتؤكد إدارة المعرض أن الجائزة—وقيمتها 150 ألف دولار—ستُسلَّم لمعلوف خلال حفل افتتاح الدورة 39 للمعرض يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 في مدينة غوادالاخارا المكسيكية، ما يضفي على لحظة التكريم بعدًا احتفاليًا يليق بهيبة الحدث ووزن الفائز.(2) (3) 

في حيثياتها، نوّهت لجنة الجائزة بقدرة معلوف على تفكيك “الشقاقات والمُمازجات” التي صنعت العالم الحديث، وبكتابته التي تمنح صوتًا للمنفيين والمسافرين بين الثقافات. كما كشفت الندوة الصحفية عن معطيات لافتة: تلقّت الجائزة هذا العام 63 ترشيحًا، جرى تقييم 48 كاتبًا من 18 بلدًا، نصوصهم باللغات الإسبانية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والجاليكية والكتالانية—وكلها ضمن عائلة اللغات الرومانسية. هذه الأرقام لا تُظهر سعة التنافس فحسب، بل تؤكد المكانة العالمية للجائزة في المشهد الأدبي. (4)

أما معلوف، فقد استثمر لحظة الإعلان لتوجيه رسالة فكرية واضحة: نحن نعيش زمنًا مقلقًا يزحف فيه التطرف وتتعاظم فيه النزعات السلطوية وتتسارع خلاله تكنولوجيات بلا ضفاف، لكنه—برغم ذلك—رفض الاستسلام للتشاؤم، مؤكدًا ثقته بأن الإنسانية ستتجاوز هذه المرحلة المرعبة. هذا المزاج الإنساني المتوازن بين التحذير والأمل جزء أصيل من نبرة أعماله، وهو أيضًا ما التقطته تغطيات الصحافة الثقافية الدولية لخطابه. (5)

تاريخ الجائزة نفسها يضيف طبقة أخرى من المعنى: فمنذ تأسيسها سنة 1991، صارت أرفع تتويجات معرض غوادالاخارا، وتمنح عن مجمل المنجز الإبداعي للكاتب في أي جنس أدبي مكتوب بإحدى اللغات الرومانسية. وقد مرّ من منصتها في السنوات الأخيرة أسماء مرموقة من آداب العالم الناطق بالإسبانية والفرنسية والبرتغالية وغيرها؛ فيما تذكّر بعض التقارير بأن الفائز في 2024 كان الروائي الموزمبيقي ميا كوتو، ما يعكس حرص الجائزة على التنويع الجغرافي واللغوي. (6)

بالنسبة إلى القارئ العربي، تمثّل أعمال أمين معلوف—من «ليون الإفريقي» و**«سمرقند»** و**«حدائق النور»** إلى «الهويات القاتلة» و**«التائهون»** و**«غرق الحضارات»—مختبرًا سرديًا وفكريًا لفهم التحوّلات التي مزّقت خرائط الانتماء في العقود الأخيرة. لقد بنى معلوف عالمه على خطوط تماسٍّ بين الأندلس وشرق المتوسط، وبين السرد التاريخي والتأمل الفكري**، ليستخرج من الماضي أدلةً على حاضرٍ مُلتبس. وليس غريبًا أن تختاره الصحافة، في سياق تغطية الجائزة، عبر عناوين تُبرز البعد التحذيري في كتاباته، كما في قراءات تستعيد «غرق الحضارات» وتضعه في قلب النقاش حول تراجعات الإنسان المعاصر. (7)

ومن زاوية صناعة الكتاب، يحمل تتويج معلوف رسائل عدّة. فهو أولًا يثبّت الفرنسية—داخل عائلة اللغات الرومانسية—بوصفها حقلًا يتقاطع مع العربية في موضوعات المنفى والذاكرة واللغة الثانية. وهو ثانيًا يعيد تذكير دور المعارض الدولية الكبرى—وفي مقدمتها فيل غوادالاخارا، الحدث الأهم في العالم الناطق بالإسبانية—بأنها ليست مجرد أسواقٍ للكتب، بل منصّات رمزية لصياغة ذائقة كونية مشتركة. وثالثًا، يوجّه الأنظار إلى معنى أن يفوز كاتبٌ وُلد في بيروت ويكتب بالفرنسية بجائزةٍ ترعاها جامعات ومؤسسات مكسيكية: الأدب هنا جسرٌ حيّ تتقاطع عليه التجارب وتتعانق، لا جدرانَ عازلة. يزداد هذا المعنى رمزيةً مع إعلان برشلونة “مدينة ضيف شرف” لنسخة 2025، بما تمثّله من إرث لغوي وثقافي ضمن فضاء اللغات الرومانسية. (8)

أخيرًا، لا يحتاج هذا الفوز إلى كثير من الشروح ليدرك قارئ العربية دلالاته: فمشروع أمين معلوف ينطلق من سؤال الهوية، لكنه لا يقع في ضيق التعريفات؛ يستدعي التاريخ، ولا يستسلم لنوستالجيا الماضي؛ ينتقد الحداثة المتوحشة، ولا يروّج لعدميةٍ مريحة. لذلك يبدو هذا التتويج بمثابة تصويتٍ للأدب ضد الخوف، وللذاكرة ضد المحو، وللترجمة ضد الانغلاق. وعندما يصعد معلوف منصة التكريم في 29 نوفمبر، لن يكون الأمر احتفاءً بسيرة كاتب فردٍ فقط، بل احتفالًا بإمكانية أن تظلّ اللغة—أيًّا كانت—أفقًا مشرعًا للحوار الإنساني المشترك. (9) (10)

تعليقات