نعيمة بن صالح | المغرب
ناصية الخِضمّ
جلست بين البحر ورؤاي،بصمتٍ مطبق،
يجتاحه صوت الأرض،
المكدَّس بتلك الريح
العاصفة في كل الأمكنة.
وقد غدت
مجرد حجرة رصاصية
بهياكل متهالكة...
أتأمل ملامح كل التوقعات،
وأعيد تسوية
كل الحروف والكلمات،
وهي متسللة
من بين أناملي،
تتدلّى فروعًا
كالأذرع المتشابكة،
تشعل برعمًا،
شمعةً حتى الأوج،
ألقًا نورانيًا
يقصي كل حروف العلّة،
كلَّ تلاشي بطيء
على كفّ الريح،
كلَّ الأصوات
المرتفعة القاحلة،
كلَّ القوى المشلولة،
كلَّ الأوجاع الرقراقة...
وعلى ناصية الخضم،
تحدق العين
في ضوء الشمس
المنسكب على كل الأعمدة المنكسرة،
في أعراس مملكة
الشفق السرمدي
التي تسكت كل الألسنة المتلعثمة.
لتدوي أصداء الأصوات
محتفيةً بالوصول،
فتسمو وتصعد
كالقمر، كالشمس،
كرجاءٍ حتمي
على هامة المد والجزر.
لَكَم أشتهي!
لَكَم أشتهي...!لو أن طعنة السلاح الأبيض للفجر
لا توقظني بعد اليوم،
على عالم
غدا أشباحا
تنسج الكوابيس…
بأنامل الكراهية
تلامس كل الأوتار...
وتغرق الانام
في حر النار…
لَكَم اشتهي...!
أن يسحب الخوف مخالبه
المحشورة في الارواح،
المترنحة ككومات القش..
أن نخرج
من الخواء الجيّاش..
ونستفيق من هذا النوم
العميق في غسق الذوات
لنحاصر الشر
المتفحش حتى القعر.
لَكَم أشتهي...!
أن تعود الأرواح الهائمة
إلى عشها..
أن نعثر اليوم
على ما ضاع
بالأمس العكِر..
ونصل إلى البَر
والشراع يحمل
لواء العبور ...
أن نطوي بِإحكام
عاما افرغ حقائبه
من كل الاشياء الجميلة،
ممسكا بالحلم
الكذٌاب الأشر…
لَكَم أشتهي...!
أن تتحول الحياة زورقا
محاطا بالمجاذيف،
تقطف أجمل
أزهار الغروب..
ويخيب أمل
من يشتهي الانهيار
على احر من الجمر..
لَكَم اشتهي...!
أقبض على شهقتي
أقبض على شهقتي 
على كف ريح 
تهب على العشب اليابس 
كغيمة تقطر 
على مرآة 
ينعكس فيها 
ذلك التلاشي البطيء 
مدججة بالصمت 
كحفيف شقي 
يلامس سطح الأرض 
كضوء شمس 
ينسكب على عود مكسور، 
يرتعش من الوجع الرقراق 
بعيدًا عن مملكة 
الشفق الأحمر 
لكن قلبي يقفز دومًا 
بين الشجر الأخضر 
ويستلقي بجانب النهر الطويل على الخرير 
ورائي ليل طويل 
لكنني كالهواء 
أتنفس في العلياء 
كأشعة الشمس في دهشتها المتساقطة 
حين تزاحم الغيم 
بكل كبرياء 
كالقمر تزفه النجوم 
في ألقها الهادئ 
لينير ظلمة السماء 
كصوت المطر 
ولحنه يستحوذ 
على كل الأرجاء 
وعبير الفنجان المجنون 
يكتسح أطياف الشقاء 
كموج البحر الهادئ 
حين يستكين لدفء الحسناء.
كل ذا من طين!
قصيدتي عكازي 
في حبهم...
لبسوا حزني...
غرسوا لي
في القلوب بساتين
من رياحين...
سالتُني عما حملته
دفاتري التي لا تعدو
تكون من طين..
دعوني للسفر عبرها
في منفاي وغربتي...
في سمائي..
في أرضي...
بين أكفهم
وأنا أفك لغز
الخيوط المتشابكة في
ركام النفوس
وغياهب الذاكرة...
في حياة صيرتها
الأيدي المَغولية قبوا...
يجيد صناعة التماثيل..
مؤجل فيه الحب
والورد والندى والنسيم..
منحوني الفرح... 
أقاموا على الضفاف
عرسا راقصا بأهازيج...
صيروا خيوط الدخان
أمنيات تتجدد
في المجرات
بين النجوم...
فرح العيون كوة
انسل منها
بصيص من نور
رغم استئساد الخيبات
في عيون الأجيال..
قلبي لحبكم أجمل 
قيثارة بها أعزف،
موسيقي سمفونيات
حكاياكم،
صحب  الطيور والنجوم
وحفيف الأشجار ..
بها أراقص الروح..
حبكم كشمع ديكارت...
باق وأزلي
رغم تغير المدار
كل ذا من طين!
فكيف يمترون؟
نجمة يوليوز
في يوليوز،
أصير امرأة أخرى..
تورق كل النباتات
في حديقتي..
ينتفض مزاجي
مع كل فناجين قهوتي..
أرى خلف طلوع شموسه
أماني العازفة كل الإيقاعات
التي تقاوم كل احتراق..
وفي السيد القمر،
كل أمسياتي الهادئة
في ثوبها الأبيض الناصع...
ونجمة ليلة الواحد والعشرين
ترصّع سماء ليله المحدّق
في البدر الرائق.
يغمر ضوء صباحاته غرفتي
ذات النوافذ الزجاجية الشفافة،
وهي ترقب زهو الشفق،
حين يغازل الغروب
غنج موجات
البحر الحسناء..
وهي تمدد أطرافها
على الشاطئ،
منتظرة فرح الأفق القادم.
على الجانب الآخر
على الجانب الآخر،
تنتظرني القصيدة دومًا،
تحت الظلال والأشجار،
وسط قارة الصمت الفسيحة،
والأرض الغاصّة
بأطياف العتمات...
بناسٍ يتحدثون
لغة الظنون،
وشتى القساوات...
على الجانب الآخر،
تنتظرني القصيدة
لنشيّد معًا
قلاعًا خيالية بلا كلل،
تحت المطر...
نحرق كل المسافات،
نعبر القلب
كجيشٍ من عصافير
يعانق حفيف الشمس
ليصل قلب الأمان...
قلب الإنسان...
علّنا نخفف الوطء
عن القلوب،
في عالمٍ مراهق
يؤمن بأن شكل النساء
يُنبئ بعظمة الكون...
 
 

