📁 تدوينات جديدة

أزمة قيم । حسن امحيل

أزمة قيم । حسن امحيل 

حسن امحيل ।المغرب 

تعتبر القيم الأخلاقية والثقافية من الأسس الرئيسية التي تشكل أعمدة المجتمع وتوجه تصرفات أفراده، بل وهي معيار لقياس مدى تحضره الحقيقي. وفي عالم يتسارع فيه الاختلاط الثقافي وتزايد الاتصالات العالمية، تعتبر القيم التي يتمسك بها الشباب بمثابة البوصلة التي توجههم في طريق حياتهم. ولكن، مع تزايد التحولات الاجتماعية والتكنولوجية الهائلة التي يشهدها عصرنا، نجد أن هناك مخاوف متزايدة تتعلق بتراجع القيم لدى شباب اليوم.

في ظل هذه التحديات والتغيرات، يبدو أن هناك انحرافًا على مستوى تبني والتمسك بالقيم التقليدية والأخلاقية، خاصة لدى الشباب. يتساءل الكثيرون عن أسباب هذا التراجع وتأثيره على المجتمع والأجيال المستقبلية.

لعل من أهم الأسباب والعوامل التي تلقي بظلالها على القيم لدى شباب اليوم هو تأثير الوسائط الاجتماعية وثقافة الاستهلاك المفرطة التي تحكم حياتهم. فالشباب يواجهون ضغوطًا كبيرة لتقديم صورة مثالية لأنفسهم على منصات التواصل الاجتماعي، مما يجعلهم يركزون على الشكل الخارجي والمظاهر السطحية بدلاً من التركيز على القيم الحقيقية والمسارات الثقافية، مقابل التراجع الملحوظ للقيم العائلية والتضامن الاجتماعي.

يهتم أغلب الشباب بشكل متزايد بالماديات والرغبة في الحصول على المزيد من المتع الفورية، مما ينعكس سلبًا على قيم العمل الجاد والتفاني في خدمة المجتمع والأخلاقيات الأسرية التي كانت تعتبر أساسا قويا في الماضي. لذلك، تأثرت القيم لدى الشباب بتغيرات في البنية الاجتماعية والتوجهات الثقافية ويعيشون في عالم تهيمن فيه الفردية والانغماس في ثقافة الهوية الشخصية، مما يجعلهم يغفلون عن قيم التعاون والتضامن والتفاعل الاجتماعي الذي كان يعتبر أساسًا للعلاقات الإنسانية القوية.

يشهد العالم الحديث تحولات سريعة في المجال التقني والاقتصادي، مما يؤدي إلى تغير الأولويات والمعايير المجتمعية، مما جعل الشباب يتخبطون في بيئة متغيرة ومتقلبة، حيث يواجهون صعوبة في تحديد قيمهم وتأصيلها بسبب تفاوت القيم المقدمة لهم من المجتمع والثقافة المحيطة.

ومع ذلك، فإن تراجع القيم لدى شباب اليوم ليس مطلقًا. فهناك العديد منهم ما زالوا يعتزون بقيمهم الأخلاقية ويسعون جاهدين للمساهمة في تحسين المجتمع والعالم من حولهم. لكن لا يمكن إنكار أن هناك تحديات وتأثيرات تعيق من تحقيق قدر كبير من التوازن بين القيم التقليدية والتحولات الحديثة.

يتعين علينا أن نتعامل مع تراجع القيم لدى شباب اليوم بروح فهم وتوجيه إيجابي، وذلك من خلال التركيز على بناء تربية قائمة على القيم في المنازل والمدارس والمجتمعات. يجب أن نعزز قيم الاحترام والمسؤولية والتعاون والتسامح، وأن نوفر للشباب الفرص والأدوات التي تمكنهم من تطوير قدراتهم الأخلاقية والثقافية. حري بالمجتمع أن يعكس ويعزز القيم المثلى من خلال وسائل الإعلام والترفيه. يمكننا توظيف قوة الثقافة والفن والأدب لنشر القيم الإيجابية وتعزيزها بين الشباب، وذلك عن طريق إنتاج أعمال فنية وأدبية تلهم وتوجه الشباب نحو القيم الأصيلة وتعالج التحديات الثقافية الحديثة التي يواجهونها.

تعليقات