يظل التراث الشفوي واحدا من أثمن الكنوز التي ورثناها عن أجدادنا، فهو لا
يقتصر على الحكايات الشعبية فحسب، بل يمتد ليشمل الأمثال والأغاني والملاحم التي صاغت
وجدان الشعوب ورسخت قيمها عبر القرون. غير أن هذا التراث، على غناه وتنوعه، يواجه خطر
الاندثار في ظل تسارع أنماط الحياة الحديثة وتراجع عادة السمر والإنصات إلى الحكواتي.
من هذا المنطلق، أجد أن إحياء فن الحكواتي لم يعد مجرد ترف ثقافي، بل صار
ضرورة ملحة للحفاظ على الذاكرة الجمعية ولغرس قيم الهوية والانتماء في نفوس الأجيال
الناشئة. فالحكاية ليست مجرد ترفيه، بل هي مدرسة في الحياة، تنقل الحكم وتجارب الأجداد
في قالب قصصي ممتع.
إن التنشيط الثقافي القائم على الحكاية الشعبية يمكن أن يأخذ أشكالا متعددة:
• عروض حية للحكواتي في دور
الثقافة والمدارس، حيث يتفاعل الجمهور مع الصوت والحركة والإلقاء.
• ورشات تكوين للشباب والأطفال
في فن السرد الشفوي، بما يضمن استمرار هذا الفن وعدم انقطاعه.
• التثمين الإعلامي عبر برامج
إذاعية، بودكاست، أو قنوات رقمية متخصصة في رواية الحكايات التراثية.
• التثمين الإبداعي بتحويل
الموروث الشفوي إلى نصوص مسرحية، أفلام قصيرة، أو حتى قصص مصورة للأطفال.
وبذلك يتحول التراث من مجرد ذاكرة مهددة بالنسيان إلى طاقة خلاقة تلهم الأدب
والفن والإعلام. والأجمل أن الحكاية، بما تحمله من صور وخيال، قادرة على تقريب الطفل
من هويته ومن تاريخه الثقافي بطريقة محببة وبعيدة عن الجفاف المدرسي.
إن مشروعا كهذا، يزاوج بين البحث الميداني والتوثيق، والعرض الحكواتي الحي،
والتثمين الإعلامي والإبداعي، يمكن أن يشكل جسرا بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والابتكار.
وبقدر ما نحيي فنون الحكواتي، فإننا لا نستحضر الماضي فقط، بل نمنح الحاضر روحا أعمق،
ونفتح للمستقبل آفاقا أغنى.
فالتراث الشفوي ليس شيئا نحتفظ به في الأرشيفات وحسب، بل هو حياة تروى، وصوت
يحكى، وذاكرة تنبض بالإبداع كلما جلسنا في حضرة الحكواتي.