📁 آخر الأخبار

الشباب والسياسات الثقافية: نحو تمكين الجيل الجديد في تشكيل المشهد الثقافي العربي | دلال القرافلي

الشباب والسياسات الثقافية: نحو تمكين الجيل الجديد في تشكيل المشهد الثقافي العربي | دلال القرافلي

دلال القرافلي | المغرب

مقدمة

في العقود الأخيرة، أصبحت قضية إشراك الشباب في صناعة السياسات العامة واحدة من أكثر الموضوعات إلحاحًا في الخطاب التنموي العربي، ولا سيما في المجال الثقافي. وتُعدّ الثقافة من أهم المجالات التي تُعنى بتشكيل الهوية الجماعية، وترسيخ قيم الحوار والانتماء، ومن ثم فإن تهميش دور الشباب في هذه السياسات لا يعني فقط خسارة طاقات إبداعية ضخمة، بل أيضًا تهديدًا لجدوى واستدامة المشاريع الثقافية في العالم العربي.

بحسب تقارير إحصائية حديثة، يشكل الشباب من الفئة العمرية 15-29 سنة حوالي 60% من سكان المنطقة العربية، مما يمنحهم ثقلًا ديموغرافيًا وثقافيًا غير مسبوق [1]. وعلى الرغم من هذا الثقل، إلا أن حضورهم في دوائر صنع القرار الثقافي لا يزال هامشيًا في كثير من الدول العربية، ويقتصر غالبًا على المشاركة الرمزية في الأنشطة لا في صياغة السياسات نفسها.

تتجلى أزمة السياسات الثقافية الحالية في غياب استراتيجيات واضحة لتمكين الشباب، وفي اعتماد مؤسسات الثقافة العربية – غالبًا – على نماذج تقليدية لم تعد تعبّر عن تطلعات الجيل الجديد، كما تؤكد دراسة جامعة البلقاء التطبيقية حول "الشباب الأردني والمشهد الثقافي" [2]. في المقابل، بدأت تظهر بوادر حراك ثقافي شبابي بديل عبر الفضاءات الرقمية والمبادرات غير الرسمية، مما يفرض إعادة التفكير في أنماط المشاركة الثقافية، وضرورة إدماج الشباب كفاعلين أساسيين في صياغة السياسات لا كمستهلكين لها.

من هنا، يسعى هذا المقال إلى مقاربة سؤال: كيف يمكن تمكين الشباب للمساهمة الفعّالة في تشكيل المشهد الثقافي العربي؟ عبر تحليل الإطار النظري لمفهوم السياسات الثقافية وتمكين الشباب، وتفكيك التحديات القائمة، واستعراض نماذج ناجحة للتجربة، مع تقديم توصيات عملية تستند إلى أمثلة حقيقية وإحالات موثقة.

1.  الإطار النظري

1.1.    تعريف السياسات الثقافية

تشير السياسات الثقافية إلى مجموع الخطط والإجراءات التي تعتمدها الدولة أو الجهات الفاعلة لتنظيم المجال الثقافي وتطويره، بما في ذلك إنتاج الفنون، دعم الإبداع، الحفاظ على التراث، ونشر القيم المجتمعية عبر الوسائط المختلفة. ويؤكد "اليونسكو" أن السياسات الثقافية لا تقتصر على دعم الأنشطة الفنية فحسب، بل تشمل أيضًا التوجهات الاستراتيجية التي ترسم ملامح الهوية الثقافية وتحدد علاقة المجتمع بموروثه وبالعالم المحيط به [3].

وتنقسم هذه السياسات عادة إلى نوعين: سياسات مباشرة مثل تمويل المهرجانات، دعم الفنانين، والمكتبات العامة، وسياسات غير مباشرة مثل التشريعات المنظمة للعمل الثقافي، والإعفاءات الضريبية للأنشطة الإبداعية، أو تضمين الثقافة في المناهج التعليمية.

1.2.   تمكين الشباب ثقافيًا

أما "التمكين الثقافي"، فهو مصطلح يشير إلى عملية توفير الشروط الضرورية التي تمكّن الأفراد، وبالأخص الشباب، من التعبير عن ذواتهم وهوياتهم، والمساهمة في صياغة الثقافة الوطنية أو المحلية. ووفقًا لتقرير صادر عن "مؤسسة فريدريش إيبرت" بعنوان موقع الشباب في السياسات الثقافية بالمغرب [1]، فإن تمكين الشباب يشمل ثلاثة محاور رئيسية: الإتاحة (الولوج إلى الموارد والمرافق الثقافية)، المشاركة (في صياغة وتنفيذ البرامج الثقافية)، والتأثير (في اتخاذ القرار والتوجيه الاستراتيجي للثقافة).

تؤكد النظرية النقدية في العلوم الاجتماعية، خصوصًا لدى باولو فريري، أن التمكين لا يكون حقيقيًا إلا إذا منح الأفراد أدوات التفكير النقدي، ومكنهم من تجاوز موقع المتلقّي السلبي إلى فاعلين في إنتاج المعنى والمحتوى الثقافي [4].

إن دمج الشباب في السياسات الثقافية يجب ألا يكون شكليًا أو تجميليًا، بل ينبغي أن ينبع من اعتراف صريح بدورهم في إعادة تشكيل الثقافة بما ينسجم مع تحولات العصر الرقمي والاقتصاد الإبداعي، وبتقدير لطاقاتهم الإبداعية التي تتجاوز النماذج التقليدية للعمل الثقافي.

2. واقع مشاركة الشباب في السياسات الثقافية

رغم الاعتراف المتزايد في الخطاب الرسمي بأهمية الشباب في التنمية الثقافية، إلا أن مشاركتهم الفعلية في صياغة السياسات الثقافية ما تزال محدودة في معظم الدول العربية. ويتجلى ذلك من خلال ضعف التمثيل المؤسسي للشباب، وغياب الآليات التي تضمن استمرارية مساهمتهم في القرار الثقافي.

2.1.      الوضع في المغرب: مشاركة رمزية وإقصاء بنيوي

في دراسة ميدانية أعدتها مؤسسة فريدريش إيبرت عام 2023 تحت عنوان "موقع الشباب في السياسات الثقافية بالمغرب"، تبين أن أغلب المبادرات الثقافية الرسمية تُصاغ وتُدار من قبل جهات حكومية أو إدارات نخبويّة، دون إشراك حقيقي للشباب في المراحل الحاسمة من التخطيط أو التقييم. ويشير التقرير إلى أن برامج مثل "الرباط مدينة الأنوار" التي أطلقتها الحكومة المغربية، رغم نجاحها النسبي في تعزيز الحراك الثقافي، إلا أنها لم توفر مساحات دائمة أو مستقلة لتمكين الشباب من المبادرة والإبداع خارج الإطار الرسمي الضيق  [1].

2.2.     الأردن: فجوة بين الشباب والمؤسسات الثقافية

في السياق الأردني، أظهرت دراسة صادرة عن جامعة البلقاء التطبيقية عام 2022 أن الشباب يشعرون بأن المؤسسات الثقافية التقليدية "لا تمثلهم"، وأن البرامج الموجهة إليهم تُصمم غالبًا دون استشارة المستفيدين الحقيقيين. وأشار أكثر من 70% من المشاركين في الدراسة إلى أن غياب الشفافية وضعف آليات التقييم يعيق اندماجهم في الحراك الثقافي المؤسسي، وهو ما يدفعهم إلى اللجوء إلى بدائل غير رسمية مثل المبادرات المستقلة أو المنصات الرقمية [2].

2.3.     غياب التمكين البنيوي

تشير معظم الدراسات المتخصصة إلى أن ضعف مشاركة الشباب في السياسات الثقافية لا يرجع إلى نقص الكفاءة أو قلة الاهتمام، بل إلى غياب بنية حوكمة ثقافية تحتضن مساهماتهم بجدية. ولا تزال العديد من المؤسسات تتعامل مع الشباب كـ"مستفيدين" أو "جمهور مستهدف" بدل اعتبارهم شركاء فاعلين، الأمر الذي يخلق فجوة معرفية وثقافية بين الأجيال، ويؤدي إلى إنتاج سياسات غير متلائمة مع حاجات العصر.

2.4.     المحاولات الفردية والمبادرات المستقلة

رغم ذلك، لا يمكن إغفال الحراك الثقافي الذي يقوده الشباب خارج الأطر الرسمية. فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة مشاريع مستقلة كثيرة، مثل منصات فنية رقمية، وفعاليات ثقافية محلية، وأندية أدبية تديرها مجموعات شبابية دون تمويل مؤسسي، ما يعكس تعطش هذه الفئة إلى فضاءات حرة للتعبير والمشاركة.

3.       التحديات التي تواجه تمكين الشباب ثقافيًا

رغم ظهور مبادرات متفرقة تهدف إلى إشراك الشباب في الحياة الثقافية، إلا أن مجموعة من التحديات البنيوية والمؤسساتية ما تزال تعيق تفعيل دورهم كمشاركين حقيقيين في السياسات الثقافية. ويمكن تصنيف هذه التحديات إلى ثلاث فئات رئيسية:

3.1.      القيود المؤسسية والتشريعية

تُعد البيروقراطية المفرطة من أبرز العوائق التي تمنع الشباب من التفاعل الحر مع الحقل الثقافي. فغالبًا ما تُدار المؤسسات الثقافية من قبل نخبة محددة، تفرض رؤى محافظة لا تنسجم مع تطلعات الشباب. كما أن غياب أطر تشريعية تضمن مشاركة الشباب في صناعة القرار، يحول دون تطوير آليات ديمقراطية داخل الحقل الثقافي.

بحسب دراسة "العمل الثقافي والسياسات في المنطقة العربية" التي نشرتها مؤسسة المورد الثقافي، فإن غالبية الوزارات والمؤسسات الثقافية الرسمية لا تضم في هيكلها الإداري أي ممثلين عن فئة الشباب، سواء على مستوى صنع القرار أو البرمجة، ما يكرّس نموذجًا ثقافيًا فوقيًا لا تفاعليا [5].

3.2.     نقص الموارد والدعم المالي

تعاني المشاريع الثقافية الشبابية غالبًا من غياب الدعم المالي الكافي، سواء من الجهات الحكومية أو من القطاع الخاص. ويشكل ذلك عائقًا أمام قدرة الشباب على إنشاء منصاتهم أو تنظيم فعالياتهم الثقافية. وتؤكد منظمة "نحن نبدع" التونسية أن معظم المشاركين في برامجها يعانون من "فقر الموارد والافتقار إلى بنى احتضان للمواهب الشابة"، مما يحرم كثيرًا من المبادرات من الاستمرارية [6].

3.3.     ضعف آليات التقييم والمتابعة

تفتقر السياسات الثقافية في الدول العربية إلى أدوات تقييم فعّالة لمتابعة مدى تحقق أهداف تمكين الشباب. وغالبًا ما يتم إطلاق المبادرات على أساس خطابي لا يترجم إلى مؤشرات قياس فعلية. وهذا ما أشار إليه تقرير صادر عن الشبكة العربية للسياسات الثقافية، حيث أكد أن معظم المشاريع الثقافية لا تتضمن خطط تقييم أو مؤشرات أداء تتعلق بإشراك الشباب [7].

3.4.     فجوة الأجيال وصراع المرجعيات

يتعلق تحدٍ آخر مهم بالفجوة بين جيل الشباب وجيل النخب الثقافية المهيمنة. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى الشباب كمتمردين على "الثقافة الأصيلة"، ما يؤدي إلى صراع بين مرجعيات حداثية وأخرى تقليدية. ويخلق هذا الصدام بيئة مقاومة للتجديد الثقافي، مما يدفع الشباب إلى الانسحاب من المشهد الرسمي، والبحث عن بدائل تعبيرية أكثر حرية.

كما تشير دراسة جامعة بيرزيت إلى أن "الاختلاف في التلقي والتصورات بين الأجيال لا يُنظر إليه كفرصة للتجديد، بل كمصدر تهديد للهوية الثقافية التقليدية" [8].

4.      نماذج ناجحة لتمكين الشباب في المجال الثقافي

رغم التحديات التي تعرقل إشراك الشباب في السياسات الثقافية، إلا أن بعض الدول العربية شهدت خلال السنوات الأخيرة مبادرات ناجحة وملهمة لتفعيل هذا الدور، سواء من خلال مؤسسات رسمية أو مبادرات مدنية مستقلة. توضح هذه النماذج أن تمكين الشباب ليس حلمًا مثاليًا، بل خيارًا عمليًا يتطلب إرادة سياسية وهيكلًا مؤسساتيًا مرنًا.

4.1.      تونس – برنامج "نحن نبدع"

في عام 2022، أطلقت وزارة الثقافة التونسية بالتعاون مع المعهد الفرنسي برنامجًا ثقافيًا شاملًا بعنوان "Nous Créons – نحن نبدع"، يهدف إلى تمكين الشباب من إنتاج مشاريع فنية مستقلة في مجالات المسرح، السينما، والموسيقى. ويشمل البرنامج ورش تدريب، دعمًا ماديًا مباشرًا، وشبكات عرض وطنية ودولية.

أفاد تقرير مرحلي للبرنامج أن أكثر من 120 شابًا وشابة تلقوا تمويلًا لمشاريعهم خلال السنة الأولى، وتمكنوا من تقديم أعمالهم أمام جمهور واسع داخل تونس وخارجها، ما عزز من ثقتهم بقدرتهم على التأثير في المشهد الثقافي المحلي [6].

4.2.     فلسطين – مركز خليل السكاكيني الثقافي

يُعد مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله من أبرز الأمثلة على المؤسسات التي جعلت من تمكين الشباب محورًا لعملها. منذ تأسيسه، حرص المركز على تخصيص برامج دورية للشباب، تشمل إقامة معارض فنية مفتوحة، تنظيم قراءات شعرية، وتدريب في مجالات التصميم والوسائط المتعددة.

وفقًا للتقرير السنوي للمركز، فإن أكثر من 60% من المشاركين في أنشطته كانوا من فئة الشباب، ونجح كثيرون منهم في تأسيس مبادراتهم الخاصة بعد انتهاء البرنامج، مثل "صالون الأدب البديل" و"مهرجان غزة للفنون الرقمية" [9].

4.3.     لبنان – مشروع "مجاورة ثقافية للشباب"

في لبنان، قامت مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع شركاء محليين بإطلاق مشروع "المجاورة الثقافية للشباب" الذي يوفّر مساحات تدريبية وتفاعلية للشباب من مناطق محرومة. ويهدف المشروع إلى بناء قدراتهم على الإنتاج الثقافي المحلي، وربطهم بشبكات ثقافية إقليمية. وقد أشارت المؤسسة في تقريرها إلى أن المشروع ساعد في إطلاق 15 مبادرة ثقافية مجتمعية بقيادة شبابية في بيروت والبقاع وصيدا [5].

5.      دور التكنولوجيا والإعلام في تعزيز مشاركة الشباب

مع تطور الوسائط الرقمية وسهولة الوصول إلى الإنترنت، أصبح من الممكن للشباب تجاوز القيود التقليدية المفروضة على العمل الثقافي داخل المؤسسات الرسمية. فقد لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في إحداث تحول نوعي في أنماط الإنتاج والاستهلاك الثقافي، مما جعل من المنصات الرقمية مساحات بديلة للتعبير والمشاركة.

5.1.      المنصات الرقمية كفضاء للتمكين الثقافي

أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التدوين إلى تمكين الشباب من إنتاج وتوزيع المحتوى الثقافي دون وساطة مؤسسية. ففي دراسة أعدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تبين أن أكثر من 68% من المشاركين من الشباب العرب يعتبرون الفضاء الرقمي هو المنبر الرئيسي لتفاعلهم الثقافي، سواء عبر كتابة الشعر، إنتاج الفيديوهات، أو مشاركة الصور الفنية [10].

مشاريع مثل "المدونة الأدبية – أُدباء من أجل التغيير" أو "رواق الفن الرقمي العربي" تُعد أمثلة على مبادرات يقودها شباب، وتوفر محتوى أدبي وفني يعبر عن قضاياهم بشكل مباشر، وغالبًا بلغة غير تقليدية تُقاوم الرقابة الفكرية أو الأخلاقية المفروضة من المؤسسات التقليدية.

5.2.     الذكاء الاصطناعي وأفق جديد للإبداع الثقافي

بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي تفرض نفسها في المشهد الثقافي من خلال أدوات تساعد الشباب على التجريب الفني والأدبي. فوفقًا لتقرير بحثي منشور في منصة arXiv ، يمكن استخدام نماذج التعلم العميق لتوليد نصوص شعرية بالعربية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتفاعل الأدب مع التكنولوجيا [11].

كذلك، بدأ بعض الفنانين الشباب في المنطقة العربية باستخدام أدوات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) في معارض فنية، مثل تجربة "متحف بلا جدران" التي نظمتها مجموعة شبابية في القاهرة، وقدمت أعمالًا فنية رقمية مستلهمة من الثقافة الشعبية.

5.3.     الإعلام الجديد كأداة للوعي الثقافي

وفرت قنوات البودكاست والفيديو الثقافي على يوتيوب أدوات جديدة لخلق خطاب ثقافي نقدي. برامج مثل "حديث الثقافة" أو "كلمات شبابية" تتيح للشباب تحليل الإنتاج الثقافي بلغة سلسة وغير تقليدية، وهو ما ساعد على جذب جمهور جديد للمجال الثقافي، لا سيما من الفئات التي لا ترتاد المراكز الثقافية التقليدية.

من المهم هنا الإشارة إلى أن هذا التوجه نحو الإعلام الرقمي لا يلغي دور المؤسسات الثقافية التقليدية، بل يدعوها إلى تحديث أدواتها وتوسيع أفقها لتكون حاضنة حقيقية لهذا النشاط الشبابي المتجدد.

6.      توصيات لتعزيز دور الشباب في السياسات الثقافية

بعد استعراض التحديات والنماذج الناجحة، يظهر بوضوح أن إشراك الشباب في صياغة السياسات الثقافية يحتاج إلى مداخل متعددة تشمل التشريعات، التعليم، التمكين المؤسسي، والدعم المالي. وفيما يلي مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تساهم في تحقيق هذا الهدف:

6.1.      إنشاء مجالس استشارية شبابية في المؤسسات الثقافية

ينبغي على وزارات الثقافة وهيئاتها أن تؤسس مجالس شبابية ذات طابع استشاري، تُضمِّن فيها تمثيلًا حقيقيًا للشباب ضمن هياكل اتخاذ القرار. يمكن لهذه المجالس أن تقدم مقترحات واقعية حول البرامج الثقافية، وتلعب دورًا رقابيًا في تقييم الأداء من منظور شبابي.

ويشير تقرير "المورد الثقافي" إلى أن إحدى المؤسسات الثقافية في لبنان نجحت في تحسين نسب مشاركة الشباب بعد أن أنشأت مجلسًا استشاريًا شبابيًا يراجع البرامج ويقترح تعديلات سنوية عليها [5].

6.2.     تحديث المناهج التعليمية وتكريس الثقافة النقدية

لا يمكن تنمية الوعي الثقافي لدى الشباب دون إصلاح المناهج التعليمية. يجب أن تتضمن المواد الدراسية وحدات تُعنى بالهوية الثقافية، الفكر النقدي، والتاريخ الثقافي المحلي. وهذا ما أوصت به دراسة "اليونسكو" حول التعليم والثقافة في المنطقة العربية [12].

كما يمكن تعزيز الأنشطة اللامنهجية في المدارس والجامعات لربط الطلبة بالمشهد الثقافي خارج الفصول، وتشجيعهم على المشاركة في الفنون والمهرجانات الأدبية والمسرحية.

6.3.     تخصيص صناديق دعم حكومية وخاصة للمبادرات الشبابية

من المهم إنشاء صناديق تمويل موجهة خصيصًا لدعم المبادرات الثقافية التي يقودها الشباب، بشروط مرنة وغير بيروقراطية. يمكن لهذا الدعم أن يشمل التمويل المباشر، تقديم منح إنتاج، توفير منصات عرض، أو دعم لوجستي.

وتُظهر تجربة "نحن نبدع" في تونس كيف يمكن لصندوق صغير نسبيًا أن يُحدث أثرًا ملموسًا إذا ما تم توجيهه بشكل صحيح ومدروس [6].

6.4.    فتح الفضاءات العامة أمام الشباب

ينبغي تحويل المؤسسات الثقافية القائمة (مثل المراكز الثقافية، المكتبات، المسارح) إلى فضاءات مفتوحة يمكن للشباب استخدامها دون قيود إدارية صارمة. وهذا يشمل تبسيط إجراءات الحجز، وتوفير المعدات، ومنح حرية في اختيار المواضيع المطروحة.

6.5.     تعزيز التكامل بين الثقافة والتكنولوجيا

ينبغي للحكومات والمؤسسات الثقافية الاستثمار في البرامج الرقمية التي تدمج الثقافة بالتكنولوجيا، مثل تطوير تطبيقات ثقافية تعليمية، أو دعم ورش إنتاج رقمية في الفنون، والآداب، والسينما.

هذا التكامل سيخلق بيئة جذابة للشباب، ويمنحهم أدوات معاصرة للتعبير الثقافي، بعيدًا عن الأطر الكلاسيكية الجامدة.

خاتمة

يتضح من خلال هذا العرض أن إشراك الشباب في السياسات الثقافية لا يُعد ترفًا تنظيميًا أو مطلبًا شكليًا، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان تجدد الثقافة العربية وقدرتها على مواكبة التحولات المعرفية والاجتماعية التي يشهدها العالم. الشباب ليسوا فقط جمهورًا مستهلكًا للثقافة، بل هم منتجوها الفعليون، القادرون على نقلها من طور التكرار إلى طور الابتكار، إذا ما أُتيحت لهم الفرصة.

لقد بيّنت النماذج الناجحة في تونس وفلسطين ولبنان أن الاستثمار في الطاقات الشبابية يولّد حراكًا ثقافيًا حيًا ومعبرًا عن التحديات المعاصرة. كما أوضحت الأدوات الرقمية، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، أن الشباب يملكون بالفعل البدائل والوسائل، لكنهم يحتاجون إلى فضاءات آمنة، داعمة، وغير أبوية.

ولعل أبرز ما تحتاجه السياسات الثقافية العربية اليوم هو الاعتراف الجاد بالشباب كفاعلين ثقافيين مستقلين، لا فقط كمستهدفين في الحملات، أو جمهور للخطابات الرسمية. ويتطلب هذا التحول توفر إرادة سياسية، تحديث التشريعات، إصلاح التعليم، وضخ موارد مادية وبشرية في البنية الثقافية لتكون أكثر ديمقراطية وتشاركية.

باختصار، تمكين الشباب ثقافيًا هو استثمار طويل الأمد في مستقبل الهوية العربية، وفي بناء مجتمع قادر على النقد، الإبداع، والمشاركة الفعلية في صناعة مصيره الثقافي.

بيبليوغرافيا

[1] مؤسسة فريدريش إيبرت، "موقع الشباب في السياسات الثقافية بالمغرب: رصد وتقييم،" الرباط، 2023.

[2] جامعة البلقاء التطبيقية، "الشباب الأردني والمشهد الثقافي: دراسة ميدانية. السلط: مركز الدراسات المجتمعية،" الأردن، 2022.

[3] UNESCO، "Cultural Policies for Development: UNESCO's Cultural Policy،" 2005.

[4] P. Freire، Pedagogy of the Oppressed. New York: Herder and Herder، 1970.

[5] مؤسسة المورد الثقافي، "العمل الثقافي والسياسات في المنطقة العربية،" بيروت، 2021.

[6] Nous Créons، "Rapport d'étape du programme "Nous Créons"،" Tunis: Ministère des Affaires Culturelles، 2023.

[7] الشبكة العربية للسياسات الثقافية، "تقرير تقييم السياسات الثقافية العربية،" بيروت، 2022.

[8] Birzeit University، "Youth and Cultural Identity in Palestine،" Ramallah: Institute of Community and Public Health، 2020.

[9] Khalil Sakakini Cultural Center، "Annual Report 2021–2022،" Ramallah، 2022.

[10] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، "الشباب والتحول الرقمي الثقافي في العالم العربي،" الدوحة، 2022.

[11] Elhag, A. M., AlHarbi, N. A., & Ahmad, H. F. (2023). Arabic Poetic Generation Using Deep Learning، 2023. arXiv preprint arXiv:2307.06218. Retrieved from https://arxiv.org/abs/2307.06218

[12] UNESCO، "Culture in Education and Development in the Arab Region: A Policy Review،" Paris، 2019.

 

 

 

تعليقات