📁 تدوينات جديدة

إدماج "الرقمي" في التربية والتعليم: حاجة أم ضرورة؟ | فاطمة موسى وجى

إدماج "الرقمي" في التربية والتعليم: حاجة أم ضرورة؟ | فاطمة موسى وجى
 فاطمة موسى وجى | المغرب

مقدمة

عرفت العقود الأخيرة اهتماما متزايدا بتوظيف الوسائل الرقمية في التعليم، الذي شكلت له تكنولوجيا المعلومات والتواصل قيمة مضافة، خولت له مسايرة الثورة التكنولوجية الذي يشهدها العالم ككل، وهذا في حد ذاته رهان أساسي لإنجاح قطاع التربية والتعليم.

لا يمكن بأي حال إغفال التحولات الجذرية التي طالت المدرسة بأسلاكها المختلفة، رغم أن الوسائل الرقمية لم تُدمَج بشكل حقيقي، حيث لم يتم اللجوء إليها إلا نادرا.

كثيرة هي التجارب التي استهدفت رقمنة التعليم والتعلم، واهتمت بشكل كبير بجودة الموارد الرقمية الموجهة للقسم وللتعليم عن بعد. ومع ذلك، يظل إدماج ما هو رقمي في التدريس متباينا جدا بين الدول والقارات.

  1.التكنولوجيا الحديثة في خدمة البيداغوجيا

يمكن اعتبار المقاربة الرقمية في التربية والتعليم "مقاربة تكنولوجية" محضة، تبحث في كيف ولأي هدف يتم توظيف تكنولوجيا المعلومات والتواصل. فبالنظر إلى تطور الوسائل المعلوماتية، صار من أولويات البيداغوجيا إمكانية استغلال هذه الوسائل في التدريس، بدءا بالحاسبات والحواسيب والسبورات التفاعلية، وانتهاء بالهواتف الذكية والشاشات الأخرى. والملاحظ، على الأقل في بعض الدول النامية، أن التجريب والتحديث الذي لحق المدرسة بغية مجاراة تطور التكنولوجيا لم يُحدث فرقا كبيرا على مستوى التحصيل الدراسي.

من جهة أخرى، قد ترى الأطر التربوية أن إضافة التكنولوجيا للبيداغوجيا القديمة مجرد زيادة في المهام والجهد والوقت، ولعل هذا من الأسباب التي قد تحدّ من تعميم هذه المقاربة في دول عديدة.

في بعض الدول المتقدمة، وبالرغم من إدماج التكنولوجيا في التربية، تبقى الغاية هي البيداغوجيا وإغناء ما هو بيداغوجي بما هو رقمي، وذلك عن طريق توظيف أنشطة حديثة باستعمال الرقمنة، دون إغفال المهارات الواجب توفرها في الطاقم التربوي المسؤول عنها.

  2.تحديات المدرسة في عالم متغير

من زاوية نظر تقليدية، تهتم المدرسة بتنمية معارف ومهارات الفرد وذكاء الفرد، كما أنها تقيّم الفرد ومستوى تحصيله، وهي بذلك تتجه نحو "فردنة التعلمات". بالموازاة مع ذلك، نجد مجتمعا رقميا محكوما بنظام "شبكي"، من حيث التواصل مع الآخرين، العمل الجماعي، والحصول على المعارف والمعلومات.

"الشبكات الرقمية" المتوفرة تعمل على تشكيل مجموعات متداخلة من المعارف تتناقض والأنظمة التقليدية. لذلك يمكن القول أن المجتمع الحالي يتأسس على "التعلم الجماعي التشاركي"، والمهارات المشتركة، وكذا قدرة الفرد على الاشتغال والتعاون مع مجموعة من الأفراد.

التعليم الرقمي يدعم ويقوي الذكاء والذاكرة الجماعيين، والمهارات الجماعية، وهذه مهمة جديدة تضاف إلى عاتق الأنظمة التربوية الحديثة، لهذا، فالتطور التكنولوجي والنسق المجتمعي يفرضان إعادة النظر في البيداغوجيا.

في ظل التطور الذي عرفه العالم، أصبح من الغايات الكبرى للتربية والتعليم تمكين الأطفال، إضافة إلى الشباب، من المعارف والمهارات الضرورية والأساسية للعيش والتعايش داخل مجتمع رقمي بامتياز، ودائم التحولات. والأمر لا يعني بتاتا تدريس هذه المعارف والمهارات بشكل رقمي ووسائل رقمية، بقدر ما يعني إعداد المتعلم لمعارف ومهارات المستقبل، وهذا ما يمنح المدرسة رؤية استباقية للغد، بهدف إعداد مواطن الغد.

المواد المدرسة والمعروفة أصبحت قاصرة ولم تعد كافية لتغطية المعرفة الضرورية لفرد القرن الحادي والعشرين، كونها معرفة حديثة، متغيرة ومركبة. ولأنها ليست حصرا على المدرسة، فلن ينحصر دور هذه الأخيرة في "ناقل للمعرفة" بل يجب أن يتجاوزه إلى ما أسمى من ذلك، ليصبح دورها تعليم التعلم وإكساب الفرد مهارات تسمح له بتوظيف معارفه، لذلك فنجاح النظام التربوي رهين بالاهتمام بكل هذه الأبعاد.

  3.منهجية التعليم الرقمي

أضحت لجميع بلدان العالم أهداف ورهانات مشتركة في حقل التربية والتعليم، تتمركز كلها حول مجاراة الثورة التكنولوجية، لذلك من الصعب تبني مقاربة آنية راديكالية في التدريس بتكنولوجيا المعلومات والتواصل، وهذا ما أفرز شكلين من التعليم الحداثي في القرن الحادي والعشرين:

-المنهج الأول

يقوم على توظيف الموارد الرقمية في مجموعة من المواد المقدمة، كما هو الشأن في بعض الدول الإفريقية والآسيوية، والغاية هنا تكمن في تجديد النظام التربوي والمدرسة ككل.

-المنهج الثاني

يرتكز على تدريس ما هو رقمي من خلال إضافة مادة او مواد "إجبارية" تسمح للمتعلم باكتساب المهارات التكنولوجية والرقمية، ومختلف التقنيات المعلوماتية الحديثة.

لكن، وفي غياب تصور واضح ومعطيات جلية عن المهارات المستقبلية (حل المشكلات المعلوماتية، اتخاذ القرارات باستخدام المعطيات الرقمية...)، يتجذر نوع من التردد الذي يعيق المدرسة الرقمية، التي تستلزم إضافة للوسائل الملائمة، مدرسين وأساتذة بمهارات وتكوينات محيّنة. وإذا كانت الثورة الرقمية لا تلغي دور المدرّس، فهي تفرض تغييرا جذريا في مهنة التدريس، وأول شروط هذا التغيير توفر خبرة كافية في البيداغوجيا الحديثة وتكوين عالي الجودة، من أجل المساهمة في عالم مركب زاخر بالتغيرات.

يضاف إلى العامل البشري مشكل الموارد والبنيات التحتية، والذي يستوجب توازنا وتوافقا بين التجهيزات والمحتويات الرقمية المقدمة.

  4.تعريف جديد لمهمة المدرسة في القرن الحادي والعشرين

المدرسة، وإن لم تعد المصدر الوحيد للمعرفة، هي فضاء للتربية على القيم الأخلاقية والمجتمعية، وتتيح بناء المعرفة من خلال سيرورات محددة، كما أنها تفتح مجالات مختلفة لتوظيف هذه المعرفة.

من أسمى غايات المدرسة، إعداد مواطن الغد وإدماجه في المجتمع، المدرسة أيضا هي من ينظم ويؤسس العلاقة الثلاثية متمدرس-معرفة-مدرّس. في خضم التطورات التي بلغها العالم اليوم، لم تعد المدرسة ذاك المحراب الذي ينبغي تقديس أصالته والحفاظ عليه كما الاحتفاظ به بشكله التقليدي، المدرسة حاليا صارت رافعة من رافعات التقدم ومجاراتها للثورة التكنولوجية أصبحت ضرورة لا محيد عنها.

خاتمة

المدرسة الرقمية هي بمثابة تحول يفرض نفسه، وذلك راجع للتغير السريع والدائم في المعارف، في البيداغوجيا وفي الممارسة المهنية للمدرس.

تبني التربية الرقمية والالتزام بها هو قبل كل شيء اختيار وتوجه سياسي يختلف من بلد لآخر، ولا ينحصر في توفير الوسائل المادية والبشرية فقط، بل يجب أن يحمل رؤية شاملة للمدرسة بأبعادها المختلفة، للتربية وللمجتمع الرقمي الذي نحن عليه الآن.

تعليقات