فاطمة موسى وجى* | المغرب
مقدمة
الحاجة إلى المعرفة، الرغبة في اكتشاف المحبط
والآخر، البحث عن إجابات ومعلومات، كلها دوافع داخلية وسلوكيات فطرية أو غريزية،
لدى الطفل خاصة والإنسان عموما.
في حياتنا اليومية، يشكل الفضول حالة من اليقظة
الدائمة والمستمرة، والتي تتيح الخروج من العادات والمعتاد، واكتشاف معطيات جديدة،
إضافة إلى الانفتاح على المحيط الخارجي، وبدون فضول، ما كنا لنبلغ ما بلغناه في
وقتنا الحالي.
الفضول: حاجة إلى المعرفة
التعطش إلى المعرفة والرغبة في الحصول على
المعلومات يندرجان ضمن "حاجة" تخص جميع الكائنات الحية، بيد أن هذه
الحاجة تتضاعف لدى الإنسان، كونه الأكثر استهلاكا للمعلومات من بين جميع
المخلوقات. هذه الحاجة أو الفضول يظل رهينا بالرغبة في مواجهة الشك، وبالتالي
البحث عن فهم للحقائق وتعرف المحيط. تزيد أهمية هذا الأمر بالنسبة للأطفال، نظرا
لكونهم أكثر حاجة للتموقع في عالم جديد بالنسبة لهم، والتأقلم معه. وبالموازاة مع
النمو، تتسع دائرة الاهتمامات لتتخطى المحيط القريب، وتتجاوز المعطيات المحسوسة
إلى أخرى مجردة كما هو الشأن في الفلسفة والرياضيات مثلا.
الفضول: برمجة للدماغ من أجل التعلم
كثيرة هي الدراسات التي سلطت الضوء على مختلف
البنيات التي يمكن إحداثها أو تنشيطها لحظة مواجهة معطيات جديدة، هذه البنيات تنتج
ما يسمى بهرمون الدوبامين، والذي يمكن أن نطلق عليه، في هذا الصدد، "وقود أو محرك
الفضول"، ليتم الانتقال من الحاجة والرغبة إلى الفعل، أي المعرفة والتعلم.
غالبا ما يبدأ الفضول بنوع من الشك أو عدم
اليقين، أو حتى الحاجة إلى معرفة المزيد، وإذا انطلقنا من كون الفضول حالة من
الاستثارة الذهنية، يتم فيها تنشيط أجزاء من الذاكرة، فإن هذه الأخيرة تقوم
بالتقاط المثيرات الخارجية، معالجتها وتقييمها من أجل الاستجابة إلى الاستثارة
الأولية، أي الحاجة إلى المعرفة. هذه الاستجابة تحقق نوعا من الإشباع، فيتم
الاحتفاظ بالمعلومات المستقبَلة وتثبيتها في الذاكرة. وهكذا يتم إعداد الدماغ
وتحفيزه لخلق ذكريات جديدة وتسجيلها للرجوع لها على المدى البعيد.
أهمية الفضول بالنسبة للطفل
منذ اللحظات الأولى في الحياة، يراقب المولود
عالمه الخارجي، وتتلقى حواسه الكثير من الإشارات عن طريق حواسه الخمس. وحين
يصير بمقدور هذا الطفل التقاط الأشياء، الحبو أو المشي، لا يتوقف عن البحث عن
المعلومات بشتى الطرق المتاحة له. هذه الرحلة هدفها الأول هو فهم ما يحدث وتعرف
الأشخاص والأشياء المحيطة به.
لاحقا، بعد اكتساب اللغة، ينتقل الطفل إلى
استكشاف معارف وتجارب الآخرين، فيبدأ في طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات. كل هذه
السيرورات تسهم في نمو الطفل المعرفي والوجداني. وعادة ما يتفوق الطفل الفضولي على
غيره في اكتساب المعارف والمعطيات الجديدة، وذلك راجع إلى كون الفضول يقوي من
القدرة على الملاحظة ويوجه رغبات الطفل إلى اكتشاف العالم الخارجي وكل ما هو مجهول
وغريب بالنسبة له، وهو بذلك يزرع فيه الحس النقدي ويجعله منفتحا على الآخرين،
قادرا على التكيف وقبول الاختلافات بشكل إيجابي. والنتيجة، طفل قادر على التحليل
وحل المشكلات، ومنفتح على تجارب متنوعة لم يمنعه من خوضها الخوف من المجهول.
خاتمة
لمواجهة حالة عدم اليقين أو غياب المعرفة، تصبح
الرغبة في التعلم حاضرة بقوة، لكنها أحيانا تنحرف إلى منحنيات سلبية، خاصة إذا كان
إشباع هذه الرغبة غير موجه وقد يؤدي إلى هدر الوقت والجهد أيضا. بالنسبة للطفل،
ونظرا لكون تجاربه في الحياة محدودة مقارنة مع من هم أكبر سنا، وبالنظر إلى فضوله
الشديد، قد ينخرط في محاولات لا تخلو من الخطورة، دون إغفال المشتتات التي قد بلوغ
الأهداف المنشودة، أو الضياع وسط متاهات من اللاجدوى. ومن هنا تظهر ضرورة توجيه
الطفل ومرافقته في رحلته الاستكشافية لعالمه.
*فاطمة موسى وجى
كاتبة مغربية حاصلة على إجازة في الدراسات الفرنسية (2016) وإجازة في علم النفس المعرفي (2022). تعمل أستاذة بالتعليم الابتدائي، وتكتب الشعر والقصص والخواطر، وتنشر مقالاتها بمنصة "أصداء الفكر" ومواقع أخرى.
أصداء الفكر: مقاربة أكاديمية حول الفضول المعرفي يُعد الفضول مكونا جوهريا في بنية الوعي الإنساني، إذ يشكل
الدافع الأول نحو البحث والاكتشاف، مما يجعله آلية معرفية أساسية تسهم في إنتاج المعرفة
وإعادة تشكيلها. فهو ليس مجرد نزعة فطرية، بل عملية إدراكية معقدة تستند إلى أنساق
عقلية ونفسية متشابكة. وقد أكدت الدراسات في علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب أن الفضول
يؤدي دورا محوريا في تعزيز عمليات التعلم والتذكر، حيث يرتبط ارتباطا وثيقا بتنشيط
دوائر المكافأة العصبية، لا سيما من خلال تأثيره على إفراز الدوبامين. من المنظور السوسيو-معرفي، يُمكن اعتبار الفضول أداة فعالة
في تجاوز النماذج المعرفية التقليدية والانفتاح على آفاق معرفية جديدة. ومع ذلك،
يظل هذا الفضول رهينا بالبنية الاجتماعية والثقافية التي يتموضع داخلها الفرد، حيث
يمكن أن يكون معززا للإبداع والنقد، أو في المقابل، محاصرا بأنساق فكرية مقيدة تحد
من فعاليته. وبالتالي، يصبح السؤال الجوهري: كيف يمكن توجيه الفضول ليكون منتجا وليس
مشتتا؟ في هذا الإطار، تلعب البيئة التربوية دورا حاسما في بلورة
الفضول كآلية بحثية منظمة. إذ تشير الدراسات إلى أن استراتيجيات التعليم القائمة
على التحفيز الاستكشافي والتفاعل النقدي تعزز من فاعلية الفضول وتجعله أداة لتطوير
الفكر المستقل. وفي المقابل، قد يؤدي التوجيه الخاطئ أو غياب الإرشاد المنهجي إلى
توجيه الفضول نحو مسارات غير منتجة، مما قد يؤدي إلى تشتيت الجهد المعرفي أو استهلاك
المعلومات دون تمحيصها بشكل نقدي. إن الفضول، وفق هذه المقاربة، ليس مجرد ميل فطري نحو المعرفة،
بل هو عملية ديناميكية تتطلب تأطيرا معرفيا ومنهجيا. ومن هذا المنطلق، فإن فهم الفضول
كظاهرة علمية-معرفية، بعيدا عن النظر إليه بوصفه مجرد دافع سيكولوجي بسيط، يمثل خطوة
أساسية نحو توظيفه في إنتاج معرفة ذات قيمة علمية وثقافية مستدامة. |