دلال القرافلي | المغرب
أثر الريح
سُلَّم من الرمل يمتد إلى السماء، صعدته الرياح بخطوات مترنحة، تاركة وراءها
أصداء ضحكات قديمة... كل درجة كانت عاما، وكل حبة رمل ذاكرة متآكلة.
عند منتصف السلم، توقفت الرياح ونظرت إلى الوراء، فرأت البحر يبتلع الدرجات
السفلى بلا رحمة، وكأن الزمن يرفض العودة.
واصلت الصعود، لكنها كلما اقتربت من القمة، تقلص السُلَّم، وانكمشت الدرجات
إلى نقاط صغيرة لا تكاد تُرى. في النهاية، وصلت إلى لا شيء، سوى سماء خاوية تمطر ظلالا.
أدركت الرياح حينها أن العمر ليس سوى سُلَّم يذوب تحت أقدامنا، وكل خطوة تُقرّبنا
من الحافة التي لا تعيدنا أبدا.
قراءة نقدية لخاطرة "أثر الريح" لدلال القرافلي
البنية والأسلوب
تتميز الخاطرة بأسلوب شاعري يمزج بين الصورة الرمزية واللغة العميقة، حيث
تبدأ بصورة خيالية قوية: "سُلَّم من الرمل يمتد إلى السماء". هذا التكوين
السردي يمنح القارئ إحساسا بالحركة والانسيابية، حيث تسير الرياح في رحلة ذات طابع
فلسفي وجودي.
استخدمت الكاتبة دلال القرافلي الاستعارة ببراعة، فجعلت الرياح كائنا واعيا
يتأمل رحلته عبر الزمن، مما يعزز عنصر التشخيص (Personification) في النص، إذ تبدو
الرياح كأنها شخصية بشرية تحمل مشاعر الحنين والتردد والوعي بالفناء.
الموضوع والدلالات
يطرح النص رؤية عميقة حول الزمن والفناء، إذ يتحول السُلَّم الرملي إلى استعارة
للحياة، حيث تتآكل درجاته تدريجيا كما يلتهم البحر الماضي بلا هوادة. تتصاعد الدراما
في النص مع تقلص الدرجات، وهو تعبير دقيق عن ضيق الفرص أو قصر الزمن المتبقي.
كما أن وصول الرياح إلى "لا شيء سوى سماء خاوية تمطر ظلالا" يعكس
فكرة العدمية التي تهيمن على الخاتمة، حيث تنعدم الوجهة النهائية، ويتحول الوجود إلى
مجرد أثر يتلاشى.
القيمة الجمالية والفكرية
تجمع الخاطرة بين البساطة اللغوية والعمق الفلسفي، ما يجعلها مفتوحة لتأويلات
عدة. فهي ليست مجرد وصف لحركة الرياح، بل تأمل في المصير الإنساني، حيث تشترك الرياح
مع الإنسان في رحلتهما نحو النهاية المجهولة.
كما أن التكرار الضمني في النص (مثل فكرة التآكل والاختفاء) يرسّخ الإحساس
بالتحول التدريجي الذي لا يمكن إيقافه، مما يعكس رؤية متشائمة ولكنها واقعية للحياة.
ختاما
خاطرة "أثر الريح" عبارة
عن نص قصير
لكنه مليء بالدلالات الرمزية والفكرية. بأسلوبها الشاعري، تنجح الكاتبة في خلق مشهد
يترك أثرا في ذهن القارئ، محفزا إياه على التأمل في طبيعة الزمن والمآل الإنساني. هذه
الخاطرة نموذج للأدب الذي يجمع بين البساطة والعمق، ويترك مساحة للتأويل الشخصي والتفاعل
الذهني مع النص.