إنَّه قيمة أدبيَّة استثنائيَّة،
فهو صاحب رحلة طويلة في مجال الإبداع حتَّى صار له باع كبير في مختلف الأشكال الفنِّيَّة
والأدبيَّة، بين المسرح والرِّواية والقصَّة القصيرة والشِّعر وأدب الأطفال، والدِّراما
الإذاعيَّة والتِّلفزيونيَّة.
ولد «نشأت شوقي مُحمَّد
المصري» في عام 1944م بمركز منيَّة النَّصر، مُحافظة الدَّقهليَّة. حاصل على بكالوريوس
الاقتصاد والعُلُوم السِّياسيَّة، جامعة الإسكندرية عام 1967م. أشرف على تحرير بعض
مجلَّات الأطفال في مصر والعالم العربي. كما اُختير ليكون عُضوًا فاعلًا في لجان التَّحكيم
الخاصَّة بمُسابقات جوائز الدَّولة ودور النَّشر العامَّة والخاصَّة.
من أهم دواوينه الشِّعريَّة:
«النُزهة بين شرائح اللهب» (1979م)، «القلب والوطن» (1986م)، «إلَّا هذا اللَّون الأحمر»
(2004م). ومن أهم إبداعاته الشِّعريَّة والقصصيَّة للأطفال: «صانعة الإشعاع» (1992م)،
«البُذور الغامضة» (1992م)، «الفارس المغمُور» (2007م)، «سرّ المزمار السِّحري»
(2009م)، «الكوكب الخفي» (2014م)، «مُعجزات الأنبياء» (2016م).
وقد أصدر العديد من الرِّوايات
التي نذكر منها: «نفرتيتي أُسطورة الجمال» (2007م)، «المهزُوز» (2019م)، «ملائكة في
الجحيم» (2020م)، «كُوتشينة» (2021م)، «الكلاب لا تنبح عبثًا» (2022م)، «اللَّحن المكسور»
(2023م)، «كائن رمادي» (2023م). وقد كتب حوالي (6500) حلقة من البرامج الإذاعيَّة والتِّلفزيونيَّة
التي أُذيعت في مصر وسائر الدُّول العربيَّة.
حصل الأديب «نشأت المصري»
على جائزة الدَّولة التَّشجيعيَّة في أدب الطِّفل عن ديوانه «قالت الأشجار» للأطفال
عام 1998م، وجائزة اتِّحاد الكُتَّاب في أدب الطِّفل عام 2007م، وفي عام 2022م حصل
على جائزة إحسان عبد القُدُّوس - المركز الأوَّل - عن رواية «الكلاب لا تنبح عبثًا».
وقد كان لمجلَّة «أصداء
الفكر» هذا الحوار الذي من خلاله نغوص في أعماق هذا الأديب الكبير، مُتعدِّد المواهب:
- في رواية «خاصّ جدًّا» نكتشف أنَّ الرِّواية قد حفلت بالكثير
من الصُّور الجماليَّة والتَّعبيرات الشِّعرية الَّتي تُطرِّز السَّرد وتُزيِّنُهُ..
فهل تحرص على ذلك؟ أم أنَّ ذلك إنَّما يجيء بدُون ترتيبٍ أو قصدٍ؟
سُؤال مُلغز، يتطلَّب أن استعيد حالتي عند الكتابة وأُراقبها، وهو ما لا أستطيعُه
أو أجربُه، ومن الطَّبيعي أنْ تتخلَّل أيَّة كتابة أدبيَّة الصُّور الجماليَّة وفقًا
لمُقتضيات الموقف أو بناء الشَّخصيَّة، فموقف ما ينتزع ما يُعبِّر عنه من كلمات وصور،
دون تعمد من الكاتب الذي يكون في حالة تقمص للشَّخصيَّة وبالتَّالي يصير صدى لها.
- القارئ لرواية «خاصّ جدًّا» يكتشف أنَّ السَّرد تميَّز بالتِّلقائيَّة
والبساطة، ولكنَّها البساطة العميقة الَّتي تُدين واقعًا مُتْرَعًا بالعديد مِنْ المسالب
الاجتماعيَّة، مثل: العُقُوق والانتهازيَّة والأنانيَّة... هل يُمكن اعتبارُكُم مِنْ
الَّذين تميَّزُوا بكتابة الرِّواية الاجتماعيَّة؟ وما هي الأُسُس الَّتي تقُوم عليها
مثل هذه الرِّوايات؟
معظم رواياتي تنبع من المُجتمع، وتُحاول أن تُعبِّـر عن خوافيه، وتخُوض في
تفصيلاته التي يفُوق بعضها الغرائب التي نتخيَّلها، وهذا هو ما يُحافظ على عنصُري الدَّهشة
وجاذبيَّة النَّص، ورواية «خاصّ جدًّا» خير مثال على هذا اللَّون من الكتابة، وهى تطرق
عقل وقلب القارئ لأنَّها مُنبثقة من واقع أكثر من أُسرة ، وتمور فيها وتتلاطم القيم
الايجابية، والدَّوامات السَّلبيَّة التي عشَّش بعضُها في الدِّماء، وإنَّني أرى أنَّ
الأعمال الرِّوائيَّة - عدا روايات الخيال العلمي - يلعب فيها الخيال دورًا ما بما
يُردف القصَّة بثمار الخيال من شخصيَّات وحوادث، ومادامت هذه المُدخلات قد التحمت بنسيج
الرِّواية، فقد أصبحت بالتَّالي معبرة عن الواقع وجزءًا منه . لكن الرِّواية الواقعيَّة
لا تتعارض مع أي إطار مُبتكر تُوضع فيه، أو تكنيك حداثي غير مسبوق.
- يؤكِّد الشَّاعر والنَّاقد الدُّكتور «أمجد ريَّان» أنَّه
لديكُم قُدرة مُبْهرة على تأكيد الرُّوح الواقعيَّة، ونقل خُصُوصيَّة الواقع المصري
الفعلي.. ما تعليق سيادتكُم؟
الرِّواية الواقعيَّة تُريح القارئ لأنَّها تتعامل مع مُفردات يعرفُها أو
يراها قريبة منه أو من السَّهل تصُورُها، وفي هذه الرِّوايات يرى القارئ نفسه في مرآتها،
ولذلك فإنَّها تصنع أعمالًا دراميَّة سينمائيَّة أو تليفزيونيَّة ناجحة على المستوى
الجماهيري، ورُبّما لهذا السَّبب نادي النَّاقد الفني الدُّكُتور «ياقوت الديب» بتحويل
رواية «كُوتشينة» إلى فيلم سينمائي، وواقع الأمر أنَّ المُجتمع المصري عامر بالموضُوعات
الدِّراميَّة الناجحة، كثمار ناضحة على الشجر تنتظر مَنْ يقطُفُها. ولا تبتعد كثيرًا
الرِّواية النَّفسيَّة عن الرِّواية الواقعيَّة، ودائمًا تُفرز المُجتمعات في فترات
التَّحوُّلات الكُبرى أعمالًا أدبيَّة وفنِّيَّة مرمُوقة لا يمكن إخضاعها - أحيانًا
- للاتِّجاهات وتطوُّرات الكتابة التي رصدها النَّقاد، ونظموها في تيَّاراتٍ حدَّدُوا
ملامحها التي قد تصبح عبئًا على العمل الأدبي عند دراسته، أو مكبلة للنَّاقد أثناء
انطلاقه مع تجليات العمل...
- أنا مُعجبٌ جدًّا بمقطع ذكرته في رواية «المهزُوز» يُشير
إلى فكرة أو قضيَّة إعادة قراءة التَّاريخ مُرَسَّخًا لفكرة الحُرِّيَّة بعيدًا عما
تمَّ تكريسُه حول فكرة العُبُوديَّة، حيث استراح بطل الرِّواية لفكرة بناء الأهرامات
بأيدي السَّادة العُمَّال وليس بأيدي العبيد، ودُون سُخرة... هل نحن بإزاء أزمةٍ في
قراءة التَّاريخ ونحتاج إعادة قراءته دون الاكتفاء بالتَّلقين؟ وهل مِنْ المُفيد والرَّائع
أنْ يمزُج الأديب قضايا وطنيَّة ضمن الإطار الإبداعي سواء رواية أو شعر؟ ولماذا؟
حقيقة الأمر أنَّنا بإزاء أزمة مُزمنة في قراءتها، وكما يُقال إنَّ التَّاريخ
يكتُبُه الحُكًّام والمُنتصرُون، وبالتَّالي لا يكون التَّاريخ في خدمة الحقيقة إلَّا
لمامًا، وهناك آراء تقول أنَّ الرِّواية هي من مصادر التَّاريخ ،وعلى سبيل المثال يكتب
المُؤرِّخ أنًّ فلانًا التقى فُلانًا ووبَّخه على فعلته، قد يتناول الرِّوائي هذه اللَّقطة
ويُعايشُها بفكره ويكتُب لنا الكلمات التي قيلت، وفقًا لتصُورُه هو، أو يكتُب نص الرِّسالة
الذي يتخيَّلُه التي لم يذكُرها المُؤرِّخ، ثُمَّ يأتي مُؤرِّخ آخر فينقُل هذا النَّص
المُتخيَّل كأنَّه حقيقة، أو لنقل إنَّ الرِّوائي يُشارك المُؤرِّخ بتفسيره للتَّاريخ،
إذا كانت الرِّواية تندرج تحت لون الرَّواية التَّاريخيَّة، ولا أظن أنَّ رواياتي من
هذا النَّوع، ويُمكن أن نسميِّها روايات بنكهة التَّاريخ، لأنَّها تسبح - أحيانًا
- بعيدًا عنه إلى حدِّ التَّناقُض، وإذا كانت لدينا شواهد مثلًا على حفر قناة السويس
بالسُّخرة فمات فيها مَنْ مات، تحت وطأة استبداد الحاكم وخنُوع المحكوم، لا نجد مثل
هذه الشَّواهد اليقينيَّة في رُسُوم بناء الأهرامات، ولهذا نميل إلى غياب عُنصُر السُّخرة
وأنَّها كانت أعمالًا بمُقابل، ويصب هذا في مصلحة الأحفاد حتى لا نُرسخ في إدراكهم
الباطني أنَّهم أحفاد عبيد.
أمَّا تضمين القضايا الوطنيَّة فهُو مُصارحة بالواقع، ورُبَّما يقُود إلى
حُلم بالمُستقبل، وهذا من الغايات النَّبيلة والفاعلة في الأدب، في الرِّواية مُتَّسع
لهذه التَّصريحات والتَّلميحات، بينما يتيسَّر ذلك بنسبةٍ أقلّ للقصيدة إلَّا إذا كان
البُعد الوطني هو محور القصيدة.
- هل تعتبر رواية «اللَّحن المكسُور» هي روايةٌ بُوليسيَّةٌ،
أم هي روايةٌ فلسفيَّةٌ نفسيَّةٌ تُعالج إشكاليَّات إنسانيَّة في واقعنا المُعاصر؟
أمّ الاثنين معًا؟ ولماذا؟
هُناك أعمال تستعصي على التَّصنيف ومنها رواية «اللَّحن المكسُور» الصَّادرة
عام 2023م ، فهي تتلاءم مع الألوان الثلاث، فهي بُوليسيَّة لما تضمَّنته من جريمة ظلَّت
غامضة حتى النهاية، وهي فلسفيَّة لأنَّها تخُوض في نظرات أبطالها للحياة، وجماليات
الأشياء، و دوامات المشاعر ووسائل إشباعها المشرُوعة وغير المشرُوعة، وهي نفسيَّة لأنَّ
العديد من أبطالها فريسة لتيَّاراتٍ حيَّاتيَّةٍ ارتطمت بمشاعرهم وأعادت تشكيل سُلُوكهم
تحت دعاوى الضَّرورة، والاعتياد، ودور الفن في تكوين الشَّخصيَّة، ومدى تأثيره في المُجتمع،
وما هو سائد ومستقر في نسيج المُجتمع، وأثر المتوارث من الأفكار وتطلُّعات المُستقبل
والصِّراع بينهُما، وكذلك أثر التَّغيرُّات المكانيَّة، والانتقال إلى مُجتمعات أُخرى
وموقف كُلّ شخص من هذه المُتغيِّرات، وهى كُلُّها إشكاليَّات ملمُوسة على أرض الواقع،
تنعكس على حياتنا سلبًا وإيجابًا، أيضًا نرى فيها ومضَّات من التَّغيرُّات السِّياسيَّة
وإدارة هذه التَّغيُّرات وملامحها ومردُودها على المُجتمع, والرِّواية لا تبتعد عن
الاحتياج البشرى لثوابت المشاعر والأحاسيس التي لا ينبغي التَّغافُل عنها أو إهمالُها.
وقد تعمَّدت تقديم الرِّواية بشكل مُكثَّف في الحوار والشَّخصيَّات بحيث لا تستهلك
صفحات كثيرة ووقتًا طويلًا من القارئ الجديد في ظُروف حياتنا المُتسارعة، وما يُمليه
العالم الافتراضي من عدم الإطالة، لوجود مُنافسة عظمي يفرضُها عالم الإنترنت وما سببه
من سُلُوكيات جديدة، وأفكار غير مسبُوقة، ومفاهيم مُتحوِّلة، ومُعظم هذه التَّيارات
انعكست بقُوَّةٍ على بطلة الرِّواية، الموسيقارة «دلال».