لكل عصر أدواته وماهياته وذائقته الجديدة، لذلك نحن الكتّاب مطالبون بأن نكتب لإنسان عصر التكنولوجيا، ومن طبيعة الأدب أنه يخضع دوماً لتبدّلات وتغيّرات في الشكل والمضمون، وكلما تطور الفكر البشري تطورت معه آليات تفكيره، وقد أضحت جل المجتمعات رقمية في معظم أمور حياتها، ومن هنا فإن المبدع والأديب لا انفكاك له عن الزمان ولا المكان الذي يعيش فيه، فهو يتأثر به ويؤثر فيه.
ومن هنا ولد مفهوم الأدب الرقمي، وخرج من رحم التقنية الحديثة، ومن خلال هذا الأدب الفريد تحولت الأحرف إلى أرقام بترميز (01).
ومما لا شك فيه أن الأدب الرقمي هو نتيجة اتحاد الأدب مع التكنولوجيا، ولا يمكن تلقيه إلا عبر وسيط إلكتروني، فبيئته رقمية بامتياز، ونصوصه تكنوأدبية، وقد سمي أيضاً بالأدب الإلكتروني، أو الأدب التفاعلي.
تعود بداياته إلى أواخر الخمسينات من القرن الماضي، لكن بدايته الحقيقية لم تتم إلا أواسط الثمانينات على إثر انتشار استعمال أجهزة الكمبيوتر الشخصية، والقفزة التي عرفتها صناعة الوسائط المتعددة.
الانخراط في هذا الأدب مطلب حضاري بامتياز، وبرأيي الشخصي أنه سيكون أدب المستقبل، ولن يستمر الأدب عموماً بمنأى عن التكنولوجيا، والآراء التقليدية والنقدية التي تحاول تشويهه، لن تقف عائقا أمامه.
وبالوقت نفسه، لن يلغي وجود الكتاب الورقي بلا شك، فلكل منهما خصوصيته، وقراءه.
لكن، أود أن أشير إلى أن الكتب الورقية لاقت عزوفاً شديداً من قبل القراء في الفترة الأخيرة لارتفاع ثمنها نظراً إلى ارتفاع ثمن تكلفة الورق، ومحدودية توزيعها أو سوء طباعتها. إضافة إلى صعوبة الحصول عليها مقارنة بالكتب الرقمية الذي يسهل تحميلها والحصول عليها بضغطة زر على الحاسوب أو الجهاز اللوحي.
لقد حلّ النشر الإلكتروني أزمة القراءة لأنه أسهم في توفير الكتب بكافة أشكالها وأنواعها، وأحياناً دون ثمن.
ثمة دراسة تبيّن أن نسبة بيع الكتاب الإلكتروني إلى نسبة بيع الكتاب نفسه ورقياً هي نسبة 100 إلى 1. لذلك، فمن الطبيعي أن يعرف هذا الأدب في المستقبل القريب انتشاراً أوسع ورواجاً أكبر في الأوساط الأدبية. إلّا أنه ومثل أي شيء في حياتنا، الأدب الرقمي سلاح ذو حدين، له الإيجابيات وكذلك السلبيات.
أحد أهم إيجابياته أنه يتيح الفرصة للأدباء والكتّاب المبدعين والمغمورين أن ينشروا أعمالهم دون انتظار الفرصة التي غالباً لا يحصلون عليها، ودون اللجوء إلى أحد.
لكن، من جهة أخرى ثمة سلبية خطيرة جداً وهي العشوائية، وفتح الباب على مصراعيه لأشباه الكتاب وأشباه الأدباء الذين ينشرون كتاباتهم بصياغة رديئة، تفتقرُ لغتهم في الغالب للجودة، وتكون مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية. والسلبية الثانية هي صعوبة الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، لذلك نتمنى ألا تعم فوضى الكتابة والنشر وأن تحدد قواعد ومعايير وقوانين تعمل على ضبط حركة الكتابة والنشر في هذا الميدان.
ونأمل أن تكون سلسلتنا الرقمية منبراً فكرياً وثقافياً ينقل لكم كل ما هو ماتع وممتع في آن معاً.
كاتبة كاتبة । سوريا