
لكل نوع من أنواع الترجمة قانونه الخاص وحريته الخاصة أيضاً، ولترجمة الشعر لَبِنات أساسية تجب مراعاتها والحفاظ عليها، منها عمق اللغة الشعرية من جهة، والقيمة الجمالية للمؤثرات الصوتية من جهة أخرى، بمعنى آخر، الاهتمام بالدقة والأمانة في نقل المضمون مع المحافظة على الإيقاع واحترام شكل القصيدة.
يقول (بورخيس) "يجب على مترجم الشعر أن يكون شاعراً بالدرجة الأولى."
فهي عملية إحياء للقصيدة المراد ترجمتها، وهذا يتطلب من المترجم إعادة ابتكار طرق الشاعر في التفكير والتخيل والتعبير عن النفس، ويستدعي الكثير من الصبر والبحث والولوج إلى أعماق شخصية الشاعر.
من الجيد أن تقود الترجمة القارئ الرجوع إلى القصيدة المصدر وتقديرها بشكل أفضل كما في حال الإصدارات ثنائية اللغة مثلاً.
صعوبات ترجمة الشعر
تكمن الصعوبة الرئيسية في إعادة اتحاد المعنى والصوت الذي يميّز الشعر، وفي إيجاد ترجمة متكافئة ودقيقة للأبيات الشعرية التي عادة ما تحمل في طياتها معاني متعددة.
لكن، في حال تعدد المعاني وغموض اللغة الشعرية، قد يكون من المستحيل نقل المعنى في الترجمة، فالترجمة هي الفهم أولاً، وبالتالي يكون التفسير بعد توضيح بعض الصور والتلميحات الميتافيزيقية. ومن الممكن عادة التعرف على المعنى - أو المعاني المتعددة - للقصيدة بغض النظر عن شكلها وتوافقاتها، ما يضطر المترجم للاختيار من بين عدة معانٍ محتملة.
كما يواجه المترجم صعوبة في الحفاظ على ثراء الدلالات التخيلية والحسية في القصيدة، وأخرى في الحفاظ على الاحتمالات المختلفة في الترجمة سواء كان طابع القصيدة جاداً أم ساخراً.
أهمية ترجمة الشعر
يقول (بول بنسيمون) "إن الكلمة الشعرية أسيرة لغتها الأصلية تماماً."
كما يقول (الجاحظ) في كتابه (الحيوان) " الشعر لا يمكن أن يترجم، ومتى حوّل تقطّع نظمه وبطل وزنه."
على مر القرون، كانت وجهة نظر المؤلفين البارزين والنقاد تقوم على أن ترجمة الشعر غير عملية، وأنه لا يمكن ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى دون كسر حلاوته وانسجامه، ودون ضياع بعض سماته الخاصة بسبب ما يسميه (بيرمان) "التجسد المبدع للكلمة"، لكن على الرغم من ذلك، فأن ترجمة الشعر تبقى محركاً أساسياً في التشارك والتبادل بين الثقافات العالمية، تساهم في الانفتاح على الشعوب والأمم المختلفة، وفي نقل تجاربها وفي الاحتكاك بها، عدا عن إثراء النتاج الأدبى المحلي بنماذج جديدة.
ولا ننسى أن عظماء الكتاب والشعراء هم مترجمون مثل (يوهان غوته) الذي ترجم أشعاراً عن الإيطالية والإنجليزية واليونانية، و(أدونيس) الذي ترجم إلى العربية للشاعر الفرنسي (سان جون بيرس)، ورائد ترجمة الأدب العربي (دينس جونسون ديفيز) الذي ترجم أشعار (محمود درويش) ونقلها إلى الإنجليزية.
موسيقى الترجمة
يقول (إيف بونفوا) : "سبب وجود الشعر، ذلك لأننا أردنا أن يُسمع الجزء الرنان من الكلمات"، فالحفاظ على صدى القافية في الترجمة أمراً مرغوباً فيه للأذن ولا ينبغي اعتباره شيئاً ثانوياً، بل على العكس، فإن احترام المقطع أمر أساسي يؤثر تأثيراً مرئياً وسمعياً يجعل الموسيقى تنبثق من الكلمات المترجمة، كأن نخلق تكراراً لبعض الأبيات أو شعوراً بالحركة نحو النهاية قبل الانتكاس إلى الصمت، لأن هذا الإيقاع في الترجمة يساعد القارئ على الحفظ "الشعر المترجم سريع الحفظ". ومن المؤكد أن الشاعر يريد من المترجم أن يجعل قصائده تهتز من عمقها مثل أوتار الآلة.
لكن السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكننا الابتعاد عن المعنى لإحياء الموسيقى في الترجمة؟
نخلص إلى أن الحل الوسط، واعتماد ترجمة تجمع جمعاً عادلاً بين دقة المعنى واللمسات الموسيقية هو الحل الأنسب.