📁 تدوينات جديدة

جنوح الأحداث في المجتمع المغربي / صباح بلحيمر

جنوح الأحداث في المجتمع المغربي / صباح بلحيمر

أصبح موضوع جنوح الأحداث هما مشتركا بين علماء الدين والقانون والنفس والاجتماع... خاصة مع تزايد جرائمهم المسجلة، لأنه يساهم في إفساد البيئة بكافة القطاعات، بحكم أن انحراف الكبار هو امتداد لجنوح الصغار، وأن جانح اليوم مجرم غدا يهدد أمن المجتمع واستقراره ومخططاته التنموية وبنائه الأسري، مع ما نلحظه من ظواهر سلبية تثير الاشمئزاز والشفقة عن تواجد أطفال في أماكن مهجورة أو محطات طرقية أو مقابر أو أمام أبواب الأسواق، كقوى معطلة بل وعالة على المجتمع.

كل هذا يدفعنا إلى طرح تساؤلات عدة حول أسباب تواجد قاصرين مكانهم الطبيعي هو المدرسة، في مخافر الشرطة أوفي مراكز الإصلاح والتهذيب.

لا شك بأن الحدث الجانح لم يصل هذه المرحلة من تلقاء نفسه، بل أوصلته ظروف قاهرة تستدعي التفكير والدراسات الجادة، بغية رصدها والدافع إليها وعلاجها.

دواعي اختيار الموضوع:

يمكن أن ألخص دوافعي في:

*اهتمامي بأوضاع الأحداث الجانحين، انطلاقا من احتكاكي واتصالي المستمر الذي تفرضه علي مهنتي في مجال التربية والتعليم.

*اهتمامي بفهم الحاجيات الحقيقية لهذه الفئة، تفاديا للصراعات التي يمكن أن تجرها إلى الجنوح والإقصاء من المشاركة الإيجابية في المجتمع.

*تذكير الأسر ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الحكومية، بهذه الظاهرة المقلقة بغية التصدي لها.

خطة البحث:

قسمت البحث إلى محورين:

- المحور الأول: خصصته للمفاهيم الأساسية.

المحور الثاني: خصصته لرصد مظاهر وأسباب الظاهرة والحلول المقترحة لمحاربتها.

وختمت بخاتمة موجزة،مع ذكر المراجع المعتمدة في الدراسة.

المحور الأول: مفاهيم أساسية

1- مفهوم الحدث:

لغة هو فتي السن ورجل حدث أي شاب، أما الحدث في المفهوم الاجتماعي فهو الصغير منذ ولادته حتى يتم نضوجه الاجتماعي والنفسي، وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثلة بالإدراك التام لمعرفة الإنسان لطبيعة عمله، والقدرة على تكيف سلوكه وتصرفاته طبقا لما يحيط به من ظروف ومتطلبات الواقع الاجتماعي.[1]

وعرفه القانون المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 138 من مجموعة القانون الجنائي بأنه: "الحدث هو الذي لم يبلغ بعد 18سنة شمسية كاملة."[2]

2- مفهوم الجنوح:

هناك من عرفه بأنه: "هو عبارة عن سلوك لو وصل إلى عالم الشرطة أو المحاكم يمكن ان يعاقب مرتكبه بناءا على إحدى نصوص القانون الجنائي."[3]

فالجنوح إذن هو الفشل في سلوك الطريق الصحيح، وارتكاب أعمال سيئة يعاقب عليها القانون.

3- جنوح الأحداث:

تعددت التعاريف من مختص لآخر في العلوم الإنسانية والاجتماعية، فعرفه روث

كافن بأنه: "طفل أو شاب ينحرف سلوكه عن المعايير الاجتماعية بشكل

كبير، ويؤدي إلى إلحاق الضرر بمجتمعه وبنفسه أو بمستقبل حياته."[4]

وعرفه مكتب الشؤون الاجتماعية التابع للأمم المتحدة بأنه شخص غير بالغ من الناحية القانونية، يمثل أمام هيئة قضائية أو أية سلطة مختصة بسبب ارتكابه جريمة جنائية، ليتلقى الرعاية لإعادة تكيفه الاجتماعي.[5]

وفي القانون المغربي نجد خصوصية قانون الأحداث ما بين انعدام المسؤولية الجنائية ونقصانها.

*انعدام المسؤولية الجنائية:

ورد في الفقرة الأولى من الفصل138 من مجموعة القانون الجنائي، بأن الحدث الذي لم يبلغ اثني عشرة سنة كاملة يعتبر غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه.

وورد في الفقرة الثانية من المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية: "يعتبر الحدث إلى غاية بلوغه سن اثني عشرة سنة غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه."[6]

نستنتج إذن بأن الحدث في هذا السن إذا ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون بمقتضى التشريع الجنائي المغربي، يسلمه قاضي الأحداث لوليه أو حاضنه أو كافله أو وصيه أو المؤسسة المكلفة برعايته، وهو ما يساير به القانون المغربي ما تنص غليه أغلب القوانين الدولية.

*نقصان المسؤولية الجنائية:

الحدث الذي أتم 12 سنة وهو لم يبلغ بعد 18 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، مسؤول جنائيا عما اقترفه لكن مسؤوليته ناقصة نظرا لسنه فتخفف عنه العقوبة في الجنح والجنايات.

نصت الفقرة الثالثة من المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية: "يعتبر الحدث الذي يتجاوز سن اثنتي عشرة سنة وإلى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة، مسؤولا مسؤولية ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه."

فما هي يا ترى مظاهر وأسباب هذه الظاهرة المؤلمة، وكيف يمكن التصدي لها؟

المحور الثاني: مظاهر وأسباب الظاهرة وحلولها.

1- مظاهر جنوح الأحداث:

كشف وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي عن أرقام القضايا المسجلة للأحداث، خلال افتتاح أشغال المناظرة الوطنية المنظمة بالصخيرات الممتدة ما بين 19إلى21 يونيو2023م، حول حماية الأطفال في تماس مع القانون.

إذ بلغت 24 ألفا و592 قضية خلال سنة 2022م، وبلغ عدد المتابعين من الأحداث 29 ألفا و412 خلال نفس السنة وعدد المعتقلين احتياطيا حوالي 355 معتقلا.[7]

وتتمظهر جرائم الأحداث في:

- النصب والاحتيال

- الضرب

- هتك العرض

- الشذوذ الجنسي

- السرقات الموصوفة

- المس بأمن الدولة من خلال تخريب الممتلكات العمومية خاصة مع مباريات كرة القدم.

وغيرها من الجرائم من توقيع الأحداث.

2- أسباب جنوح الحداث:

لا يمكن فهم الظاهرة فهما عميقا إلا بالوقوف على أسبابها، لأن البحث عن السبب يسهل التوصل إلى حلول.

يمكن أن نلخص أسباب الجنوح في:

أ- الأسرة:

هي الدعامة الاجتماعية الأولى للطفل المكونة لشخصيته واتجاهاته وميوله ونظرته للحياة.

فالطفل في أولى مراحل حياته لا يعرف سوى والديه لارتباطه النفسي والعاطفي بهما، ولدورهما في رعايته ماديا ومعنويا وتربويا، وأي خلل داخل المنظومة الأسرية يعني النقص المادي والعاطفي.

وترجع الأسباب الأسرية لجنوح الأحداث إلى عدة أسباب نذكر منها:

*غياب القيم الدينية التي تضفي معاني الفضيلة والأخلاق والسلوك الحسن.

*غياب التربية الخلقية.

*عزل الحدث والسخرية منه.

*تدخل عناصر خارجية عن الأسرة في شؤونها.

*وجود نماذج سلوكية منحرفة مثل تعاطي المخدرات والخمور والدعارة.

*عدم اتباع أساليب التربية السلمية في تربية الحدث وتوجيهه التوجيه السوي.

*التمييز بين الإخوة وما ينجم عنه من تنامي مشاعر الغيرة بينهم.

*عدم تعويد الحدث على تحمل المسؤولية.

*الطلاق وما ينجم عنه من تفكك أسري ودفع إلى الجنوح.

*الخلافات المستمرة بين الوالدين أو داخل الأسرة الممتدة.

*غياب الأب الحقيقي أو انعدام شخصيته داخل البيت.

*انخفاض المستوى التعليمي والثقافي للوالدين قد ينشئ الحدث في بيئة جاهلة، يغيب عنها الوعي والإرشاد والتعامل المناسب.

*غياب مراقبة ومتابعة الوالدين لأبنائهم.

*القسوة المفرطة أو اللين المفرط في المعاملة.

ب- المدرسة:

وهي البيت الثاني للجانح، فنجاحه أو فشله فيها يتوقف على قدراته الوجدانية والمعرفية وعلى المناخ العام داخل المدرسة، لكن هذه المؤسسة قد تكون سببا في جنوحه من حيث:

*سوء المعاملة من المدرسين أو الأقران.

*عجز المدرس عن فهم سيكولوجيا المتعلم الحدث خاصة وأنه بالنسبة له هو المثل الأعلى، وثاني سلطة يحتك بها بعد والديه، فيصدم بمعاملة سيئة أو قمع أو استهزاء... نتيجته النفور من المادة المدرسة وبعدها الهروب من المدرسة وهو لم يكتسب بعد مقومات مواجهة الحياة.

*الفشل الدراسي: إما بسبب فقدان الرغبة في التعلم أو عدم مواكبة البرامج الدراسية أو القصور الذهني.

ت- المسكن:

للمسكن الواسع الدور البارز في تماسك الأسرة، من حيث تحقيق الراحة النفسية وضمان الخصوصية وخلق فرص التجمع وممارسة الألعاب والترويح عن النفس، خلافا للمساكن الضيقة التي يكثر فيها الاحتكاك بين أفرادها ويتنامى بينهم العنف، وتدفع إلى تمضية الوقت خارج البيت مما يعني الوقوع في فخ الجنوح.

ث- الأسباب الاقتصادية:

كالفقر وتدني المستوى المعيشي الذي قد يكون دافعا للتفوق والنباهة، كما يمكن أن يدفع بالحدث إلى الإجرام تحقيقا لمتطلباته ورغباته الشخصية أو الأسرية.

ج- العاهات:

فقد تكون لديه عاهة أو نقص في جسمه في غياب تصالح تام مع الذات، وفي حضور تنمر أسري أو مدرسي أو مجتمعي، يدفعه إلى تعويض نقصه بالجريمة إثباتا لذاته وتأكيدا لحضوره وتخويفا لغيره من الساخرين.

ح- الغرائز:

كغريزة حب التملك والعدوانية والغريزة الجنسية... إذا لم توجه داخل الأسرة أو المدرسة تدفع إلى ارتكاب الجريمة.

خ- الأسباب السياسية:

كالحروب والاضطرابات داخل البلد التي قد تؤدي إلى اليتم والتشرد والجنوح.

د-المراهقة:

من خلال ميل الحدث إلى إثبات ذاته واستقلاله عن الآخرين بمعارضة الوالدين أو إبداء الغضب عليهم وعلى باقي الأفراد، وبرفضه للأوامر والنواهي التي تؤدي به إلى الثورة على الجميع.

ذ-الصحبة السيئة:

فالصحبة تكون الأنماط السلوكية للحدث، وقد تكون مسايرة للمجتمع في حال الرفقة الحسنة كما قد تكون منحرفة في حال الصحبة السيئة، خاصة مع وجود الإهمال العائلي أو قسوة المدارس... فيلجأ للتعويض عن الحرمان مما يقوده إلى التدخين والمخدرات والخمر والشذوذ الجنسي والسرقة...

ر- وسائل الإعلام:

بكافة أنواعها مثل الأنترنت والتلفاز برسوم متحركة أو أفلام أو مسلسلات، تعرض تفصيليا لكيفية ارتكاب الجرائم وتمجيد المجرم الفالت من العقاب.

3- حلول للظاهرة:

للوقوف على حلول للظاهرة لابد من اقتراح أساليب الوقاية والعلاج، وهو ما ينطلق من أسباب تفشي جنوح الأحداث.

داخل البيت:

*توفير الجو المناسب.

*توفير الرعاية والاهتمام والتوجيه.

*تربية الأبناء على التربية الدينية والقيم الإسلامية.

*استحضار الوالدين لمسؤوليتهما اتجاه الأبناء، من حيث منحهم الحب والحنان والحماية وتتبع صحبتهم.

*استحضار آداب الزواج والطلاق.

*استعمال الحوار والإقناع.

*إلحاقهم بالكتاتيب القرآنية ودور الشباب.

*ملء أوقات فراغهم بالرياضة والقراءة.

داخل المدرسة:

*تحسين الظروف العامة داخل المؤسسات التعليمية.

*التركيز على تعليم القيم الأساسية.

*تفعيل الأندية التربوية داخل المؤسسات التعليمية للنهوض بمواهب الأحداث وقدراتهم.

*تفعيل مراكز الاستماع داخل المؤسسات التعليمية للإنصات لمشاكلهم وحلها، بالتعاون مع الأسرة والشرطة في حال التعرض للابتزاز أو التهديد أو التحرش.

وبالنسبة للإعلام:

إنشاء برامج توعوية تمزج بين التسلية والتوعية.

وفي حال إلحاق الحدث بدور الرعاية الاجتماعية أو الإصلاحيات، والتي ينبغي أن تكون حلا مؤقتا، لابد من التأهيل التربوي والنفسي من أجل الانضباط الإيجابي والتجاوب الذاتي.

وختاما لا يسعنا إلا أن ندعو من جديد إلى تضافر جميع الجهود من أجل التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع وتطوره وتعيق نماءه وتقدمه.


الكاتبة:
د. صباح بلحيمر
(المغرب)
..........................................................................

المراجع المعتمدة:

- انحراف الأطفال والشباب: محمد عباس نور الدين، شركة النشر والتوزيع المدارس 2004م، الطبعة الأولى.

- الجريدة الالكترونية هسبريس عدد الأربعاء 21يونيو 2023م.

- دراسات في علم الاجتماع الجنائي: إبراهيم عبد الرحمن الطخيس، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض 2004.

- سيكولوجية الانحراف والجنوح والجريمة: عبد الرحمن محمد العيساوي، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية 2004م.

- عوامل جنوح الأحداث في الأردن: عبد الخالق يوسف الختاتنه، منشورات جامعة اليرموك، مركز الدراسات الأردنية 2006.

- قانون المسطرة الجنائية.

- قانون المسطرة الجنائية، المجلس الأعلى للسلطة القضائية -المملكة المغربية.
......................................................................................................

1- عوامل جنوح الأحداث في الأردن: عبد الخالق يوسف الختاتنه، منشورات جامعة اليرموك، مركز الدراسات الأردنية 2006 ص 16.

2- قانون المسطرة الجنائية، المجلس الأعلى للسلطة القضائية -المملكة المغربية

3- انحراف الأطفال والشباب: محمد عباس نور الدين، شركة النشر والتوزيع المدارس 2004م، الطبعة الأولى ص21.

4- سيكولوجية الانحراف والجنوح والجريمة: عبد الرحمن محمد العيساوي، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية 2004م ص223.

5- دراسات في علم الاجتماع الجنائي: إبراهيم عبد الرحمن الطخيس، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض 2004 ص 214.

6- قانون المسطرة الجنائية.

7- الجريدة الالكترونية هسبريس عدد الأربعاء 21يونيو 2023م.

تعليقات