منى قجيع | المغرب
من فوق سطح البيت، مرة أرفع عيني كي أنظر إلى الغيم، ومرة أخفضهما كي
أنظر إلى الأشجار والمارة...
أضحك، أضحك، أضحك...
يااااه... لماذا لا يسقط الغيم فوق رؤوسنا؟ ولماذا لا نرتفع نحن إلى السماء؟
نعم، إنها الجاذبية... الجاذبية التي تجذب البشر والنمل معا كي يلتصقوا
بالأرض، بينما تترك الغيوم سابحة في الجو إلى أن تثقل فجأة، ثم تسقط هي الأخرى فوق
رؤوسنا خيوطا غريبة من الماء...
المطر... إنه شيء مذهل. ماء ينزل من فوق في شكل خيوط متوازية دون أن
نستطيع أن نرى أصلا المصدر، هذا الشيء الذي ينزل منه الماء... نحن نعرف أنه
الغيمة، لكن هل رأى أي واحد منكم هذه الغيمة وهي تدفع نحونا الماء حين يرفع رأسه
إلى فوق بينما المطر يهطل؟ إنه لا يرى سوى خيوط الماء وكأنها آتية من الأبد... أمر
مرعب، مرعب للغاية... لا تريد أن تصدق ذلك؟ تخيل معي فقط، وللحظة واحدة، أن الذي
يسقط من فوق ليس ماء بل زيتا، أو غبارا، أو عنبا، أو فراشا، وسوف تحس بالرعب، رغم
أن الفرق بين الماء والفراش، أو الماء والعنب، ليس كبيرا إلى هذه الدرجة... إنها
كلها كائنات أليفة تعيش معنا هنا، فوق سطح هذا الكوكب الشاسع، الذي تدب فوقه
مليارات الكائنات، وتنبت فوقه مليارات الكائنات الأخرى، والذي لا أحد منا يصدق أن
شكله دائري، إلا على سبيل وراثة هذا الشيء الغريب الذي يسمى "معرفة"...
منذ ثلاثة قرون تقريبا، رأت تلك العين التفاحة مثلما لم ترها أي عين بشرية
من قبل... سر عظيم جدا اكتشفه ذلك الكائن الأبله الذي يسمى إسحاق نيوتن... نعم، إنه
أبله! هل بإمكان إنسان عاقل أن يسأل: لماذا تسقط التفاحة فوق الأرض ولا تصعد إلى
السماء؟ إنه سؤال مضحك للغاية... التفاحة تسقط فوق الأرض لأنه من المضحك أن تصعد
إلى السماء، ولأن الأمور تحدث هكذا منذ ملايين السنين، فما الذي يدعو هذا الكائن
الأحمق الذي اسمه إسحاق إلى التساؤل حول البديهيات... لو كانت التفاحة تصعد إلى
السماء، لسأل نيوتن السؤال بالمقلوب، ولكان القانون الذي اكتشفه اسمه
"التنافرية" وليس "الجاذبية"...
الجاذبية... نعم، الجاذبية وليس التنافرية، هو ما اكتشفه نيوتن في نهاية
الأمر، اكتشاف غير مجرى العلوم كلها منذ ذلك الوقت، ليس الرياضيات والفيزياء فحسب،
بل الكيمياء والطب والهندسة والاجتماع...
التفاحة تسقط على الأرض بسبب الجاذبية... نعم. لكن، هل أجاب نيوتن حقا عن
ذلك السؤال المضحك حول البديهيات؟ لا يبدو الأمر واضحا بالمرة... إذ ما هو سبب
الجاذبية نفسها؟ لا أحد يعلم أبدا...
إن العلوم كلها مرتبطة ارتباطا قسريا بحواسنا... وحواسنا نفسها شيء
متأرجح، متأرجح جدا... لا تريد أن تصدقني؟ جرب أن تبتلع حبة LSD، وسوف ترى النافذة قد تحولت إلى بوابة، وسوف
ترى السماء وقد انخفضت، والنجوم في متناول الأيدي... سوف ترى الألوان وقد اختلط
بعضها ببعض، وسوف تسمع الأصوات وهي تتباطأ مثل عربات القطار الذي يبدأ في التوقف...
ما هو سبب ذلك؟ إنها لخبطة في الخلية العصبية، الخلية العصبية التي دخلت رسالة
مجهولة إلى نواتها، نواتها التي هي في الأصل فراغ في تسعين بالمائة من مجملها...
ليست هناك أية حقيقة مطلقا...
لولا صورة حبيبي في الشاشة الخلفية لحاسوبي، حبيبي الذي أكتب من أجله
القصائد، قائلة بصوتي الطفولي المتأصل في الأزل: لا ترتعب يا حبيبي، فنحن وهمان
آتيان من السرمد، وهمان بينهما جاذبية التحام مياه نهرين، وليس جاذبية سقوط
تفاحة... وهمان مناط لهما أن يلتقيا هنا، أن يلتحما في هذه الحقيقة الغريبة،
الماورائية، الفائضة على الحواس السبع، والتي اسمها: الحب.