المدرسة الرائدة بين الطموح والمساءلة
التحليل الموضوعي لـ"المدارس الرائدة" ضرورة ملحة لمساءلة التجربة من جهة، ولتثمين ما يجب تثمينه، وللتساؤل عما تم تهميشه في هذا المشروع الوطني المتسارع في التعميم. لن يختلف اثنان في مثالية ديباجة تقديم المشروع، ولن نحاسب البتة نواياه، حيث جاء مشروع المدرسة الرائدة تجسيدًا لأهم بنود خارطة الطريق 2022-2026، ولتجاوز إشكالية ضعف تحكم المتعلمين في بعض المجالات المعرفية والمهارية، مع اعتبار المتعلم العنصر الفعال في المنظومة من خلال مشاركته الفعالة في بناء معرفته، وليس عنصرًا سلبيًا يستهلك وحسب.
التفاوت داخل مقاربة "حسب المستوى المناسب"
ولهذا تم تبني خطة التدريس حسب المستوى المناسب، وإن كانت هذه المقاربة تفتقد إلى روح الإنصاف والمساواة، في ظل التركيز على الفئات المتعثرة، فبأي ذنب يتم الحد من قدرات المتعلمين المتحكمة والطامحة نحو التطور واكتساب المزيد من المعارف والمهارات؟ ماذا عن فئة النجباء والمتميزين في مدرسة الريادة؟
محور التلميذ: من الحضور إلى الغياب
إذا كان تصميم مشروع "مؤسسات الريادة" وضع وفق هندسة متعددة الأبعاد، تُعنى بالمحاور الثلاث لخارطة الطريق: "التلميذ، والأستاذ، والمؤسسة التعليمية"، فسنركز من خلال هذه الأسطر حول محور التلميذ. هل تم التفكير بالتلميذ في كل تمظهراته؟ أم نتحدث عن تلميذ بمواصفات معينة؟
هل تم استحضار متغيرات الجغرافيا والاقتصاد والسيكولوجيا و...؟ أم هو الاستعجال في التنزيل والتوسع، والمباهاة بالأرقام، والتباهي بالمؤشرات الإحصائية على حساب الجودة والتنوع؟
وهل مشروع المدرسة الرائدة هو مشروع أثبت نجاعته بعد التجريب والتمحيص؟ أم أن التلميذ المغربي كتب عليه أن يكون حقلًا للتجارب، عملًا بالمقولة المغربية المتجذرة في التراث: "تعلموا الحجامة فريوس اليتامى"؟
تجارب إصلاحية متكررة... بمردودية ضعيفة
ولن تخرج التجربة عن سالف الإصلاحات التي عشناها في وطننا العزيز، بميزانيات ضخمة كالعادة، وبنتائج متواضعة إن لم نقل ضعيفة، وتغيير الاستراتيجيات، دون الوقوف أو محاسبة مسببات الكوارث التجريبية، التي تساهم كل سنة في تقهقر مؤشر التعليم والمدرسة المغربية في كافة التصنيفات الدولية.
ذوو الاحتياجات الخاصة: حضور باهت في مشروع الريادة
عن أي ريادة نتحدث في ظل تهميش البيئة التعليمية الشاملة والداعمة لذوي الاحتياجات الخاصة، تماشيًا مع مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص؟ وهل المدرسة الرائدة ناسخة للمدرسة الدامجة أم في توافق وتكامل واندماج؟
القانون الإطار والواقع المعطل
أوليست كل التشريعات والسياسات والقوانين المغربية، مثل القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، تُلزم المدارس بتوفير تعليم شامل لذوي الاحتياجات الخاصة، مع توفير بنية تحتية ملائمة مثل المنحدرات والمرافق الصحية المجهزة، لتسهيل حركة التلاميذ ذوي الإعاقات الجسدية، والالتزام بتوفير أجهزة الحاسوب الناطقة للمتعلمين المكفوفين؟
التكوين المستعجل أم التكوين المتخصص؟
بعيدًا عن التكوينات المستعجلة، هل انخرطت الوزارة الوصية بشكل جدي في تكوين متخصصين في التربية الخاصة لمساعدة الطلاب على التكيف مع المناهج الدراسية؟ للمساهمة في تقديم جلسات الدعم النفسي والاجتماعي للأخذ بيد التلاميذ قصد تجاوز التحديات التي قد يواجهونها؟
البيئة الداعمة: غائبة رغم الشعارات
هل تم تكييف البرامج الدراسية لتعزيز ثقافة الاحترام وتقبل الاختلاف بين المتعلمين؟ وما الاستراتيجيات المزمع تبنيها في الشراكات مع الجمعيات والمؤسسات المتخصصة في دعم ذوي الاحتياجات الخاصة لتقديم خدمات أفضل؟
هل فكر مهندسو المدرسة الرائدة في برنامج وطني يروم حصول ذوي الاحتياجات الخاصة على تعليم عالي الجودة في بيئة داعمة ومحفزة، مما يساهم في تمكينهم وتحقيق إمكاناتهم الكاملة؟
وهم الأولى بالتدريس وفق المستوى، لكن بتدبير أكبر وبرؤية واضحة ومتخصصة، تهدف إلى إشراك الأسرة والمجتمع في تحدٍّ من نوع خاص.
غياب الأمازيغية: لغة رسمية تُقصى من التخطيط
هل يحق لنا فعلًا الحديث عن مدرسة رائدة رغم إغفال لغة رسمية للبلاد، وعدم الاشتغال على توفير تكوين خاص وعدة خاصة؟
(مع ما يشوب توفير كراسات العربية والفرنسية والرياضيات من تأخير ونقصان) فكيف سيتم تدريسها بمؤسسات المشروع؟
مع اللجوء إلى تكليف مدرسي الأمازيغية (مدرّس متخصص) في مدارس الريادة بمهمة دعم المواد الأخرى، علمًا أنه لم يستفد من التكوين اللازم لذلك في تكوينه الأساس.
سؤال الريادة بطعم التهميش
يحق لنا أن نسأل عن مفهوم الريادة بطعم التهميش، ومفهوم الريادة بطعم السياسة.