د. صباح بلحيمر / المغرب
يعد شعر حسان بن ثابت مصدرا للتاريخ
قبل الإسلام وبعده، وثق للحروب والنزاعات بين القبائل العربية، كما وثق للغزوات، ويعتبر
صورة عن واقعه المعيش وعن تعبير القصيدتين في العهدين.
فمن هو حسان بن ثابت؟
وكيف حال قصيدته وأغراضها في الجاهلية والإسلام؟
1- ورقة تعريفية (1)
أ- اسمه ونسبه: هو حسان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن النجار الأنصاري،
عرف بشاعر الرسول عليه السلام، كنيته أبو عبد الرحمن وقد قيل له أبو الوليد.
ب- النشأة والمولد: ولد في منتصف العقد السابع من القرن السادس الميلادي، نشأ
بالمدينة المنورة قبل هجرة الرسول عليه السلام إليها، عاش ستين سنة قبل الهجرة وستين
سنة بعدها وكان كثير الترحال والتنقل عند ملوك الغساسنة والمناذرة للنيل من عطاياهم،
كما كان كثيرا ما ينتصر للقبيلة ويفتخر بها، أما حياته في الإسلام فتميزت بملازمته
للرسول صلى الله عليه وسلم ودفاعه عنه وعن الإسلام بشعره وهو ما ذكره ابن الأثير في
كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة، حيث أقام له الرسول عليه السلام منبرا في المسجد
ينشد عليه شعره(2)توفي في المدينة المنورة ما بين سنتي 35هـ و40هـ في عهد علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.
2- ملامح من قصيدة حسان بن ثابت في العهدين:
أ- مصادر شعره:
*قبل الإسلام: الحروب – الصحراء - عادات الجاهلية - مجالس الخمر- الأطلال
وبقايا الدور...
*بعد الإسلام: تأثر شاعرنا بالدين الجديد من حيث استخدام مصطلحات القرآن
الكريم، والتأثر بمواعظ الرسول عليه السلام وأخلاق الصحابة رضوان الله عليهم... مما
أضفى على شعره الرقة والعذوبة خلافا لما سبق.
ب- مقدمة قصيدته:
*قبل الإسلام: افتتح حسان بن ثابت قصيدته على عادة شعراء زمانه بمقدمة
غزلية خمرية طللية يمهد بها لغرض القصيدة، ومثاله ما افتتح به قصيدة فخرية بمطلع غزلي
قال فيه: (3)
ألم تدر العين تسهادها
وجري الدموع وإنفادها
تذكر شعتاء بعد الكرى وملقى عراص وأوتادها
*بعد الإسلام: اقتصرت القصيدة في شعر أغلبية شعراء صدر الإسلام على الموضوع
الواحد، وإن حضرت المقدمة التقليدية الغزلية الطللية الخمرية فمختصرة.
مثل ما نجد عند شاعرنا
في بعض قصائده حيث حضرت المقدمة التقليدية، التي سرعان ما يدفعها إلى ما هو أنفع وأصدق
مثل قوله يوم غزوة الخندق (4):
عرفت ديا رزينب بالكثيب
كخط الوحي في الرق القشيب
تعاورها الرياح وكل جون
من الوسمي منهمر سكوب
فأمسى رسمها خلقا وأمست
يبابا بعد ساكنها الحبيب
فدع عنك التذكر كل يوم
ورد حرارة الصدر الكئيب
ت- أغراض قصيدته:
*غرض المدح:
+قبل الإسلام: كان حسان بن ثابت قبل إسلامه كثير التردد على ملوك الغساسنة
والمناذرة مدحا لهم، خلافا للشعراء اليثربيين في زمانه الذين كانوا مقلين في المدح،
ومثاله ما قاله في عمرو بن الحارث أحد ملوك الغساسنة (5):
لله در عصابة نادمتهم
يوما بجلق في الزمان الأول
أولاد جفنة عند قبر أبيهم
قبر ابن ماريه الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
كما مزج في مدحه بأبيات
فخر بنسبه وقبيلته.
+بعد الإسلام: قلت عن حسان بن ثابت أبيات الفخر في قصائد المدح كما كان
معهودا من قبل، وتضمنت قصيدته مفردات إسلامية مثل: نبي – الرسل – المؤذن - الصلوات...
وكلها تدور حول الدعوة إلى الله والجهاد ونشر الإسلام.
قال (6):
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذ قال في الخمس المؤذن
أشهد
وقال أيضا:
نبي أتانا بعد يأس وفترة
من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
*غرض الفخر:
+قبل الإسلام: ارتبط
الفخر عنده بالقبيلة والحسب والنسب، وبشجاعة وبطولة القوم، فافتخر شاعرنا بحسبه فقال:
(7)
وتزور أبواب الملوك ركابنا
ومتى نحكم في العشيرة نعدل
وافتخر بانتصارات قومه
الخزرج على الأوس فقال: (8)
وفي كل يوم لنا غارة
على الأوس تقتل أسادها
ترانا من البيض سفع الخدو
د نلبس للحرب أسبادها
+بعد الإسلام: ارتبط الفخر عند شاعرنا بالانتساب والسبق إلى الإسلام، وبنصرة
الرسول عليه السلام ومثاله: (9)
لنا الملك في الإشراك والسبق
في الهدى ونصر النبي وابتناء المكارم
وعن غزوة بدر قال:(10)
وخبر الذي لا عيب فيه
بصدق غير إخبار الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر
لنا في المشركين من النصيب
* غرض الهجاء:
+قبل الإسلام: كان الهجاء عند الشاعر الجاهلي وسيلة الدفاع عن النفس وعن
القبيلة، يترك جرحا عميقا لدى المهجو مع ما يناط به من أبشع الصفات، وهو ما كان من
حال شاعرنا حيث حركته النزاعات والحروب والعصبيات والمفاخرات، ومثاله هجاؤه (مزينة)
التي حالفت الأوس يوم بعاث في حربها على الخزرج: (11)
جاءت مزينه من عمق لتنصرهم
انجي مزينه من أستاهك الفتل
فكل شئ سوى أن تذكروا حسنا
أو تبلغوا حسبا في شأنكم جلل
قوم مدانيسى لا يمشي بعقوتهم
جار وليس لهم في موطن بطل
وما نلاحظه على غرض
الهجاء في شعر شاعرنا هو تركيزه على الصفات المعنوية للمهجو، مثل اللؤم ووضاعة النسب
والبخل وقلة المجد...وحضور جانب التمثيل والتنكيل في الصفات.
+بعد الإسلام: ركز حسان بن ثابت في هجائه على الدفاع عن الإسلام والمسلمين،
مع حضور أسلوب جديد يغلب عليه الطابع الإسلامي، وحضور التنكيل بالصفات المعنوية ومثاله
هجاؤه لأبي جهل حيث أشار فيه إلى قباحة الجهل عند أبي جهل: (12)
سماه معشره أبا حكم
والله سماه أبا جهل
فما يجئ الدهر معتمرا
إلا ومرجل جهله يغلي
وكأنه مما يجيش به
مبدي الفجور وسورة الجهل
فشعر شاعرنا رسم لصورة
العهد القديم والعهد الجديد، وللتغيرات في بناء المجتمع العربي، كما يعد وثيقة تاريخية
خصوصا عندما يهجو المشركين في الغزوات والمعارك حيث يصور المشهد كاملا وكأنه فيلم سينمائي
يسرد من خلاله الوقائع، ولا زال في حاجة إلى تنقيب الباحثين والمهتمين لسبر المزيد
من أغواره.
الهوامش:
1- سير أعلام النبلاء:
شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748ه) مؤسسة الرسالة 1409هـ / الطبعة الرابعة
2/512.
- ديوان حسان بن ثابت:
تحقيق سيد حنفي حسين، دار المعارف 1973م ص9.
-شرح ديوان حسان بن
ثابت الأنصاري: عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي-بيروت 1401هـ - 1981م ص15.
2- أسد الغابة في معرفة
الصحابة: أبو الحسن عز الدين ابن الأثير(ت630ه)، دار الفكر 1390ه-1980م 1/482.
3- ديوان حسان بن ثابت
ص 102.
4- المرجع السابق ص
134.
5- المرجع السابق ص
121.
6- المرجع السابق ص
339.
7- المرجع السابق ص
125.
8- المرجع السابق ص
103.
9- المرجع السابق ص
137.
10- المرجع السابق
ص 134-135.
11- المرجع السابق
ص296.
12- شرح ديوان حسان بن ثابت للبرقوقي ص 291.